حازم مبيضين ينظر البعض بحذر إلى سيطرة قوى الإسلام السياسي على السلطة، في الدول العربية التي ثارت شعوبها على الظلم والطغيان وحكم العائلة والدكتاتورية، ولعل في تلك النظرة التي تحاول الفصل بين العروبة كقومية، والإسلام كدين، بعض التعسف، ذلك أن الإسلام ولد في حضن الجغرافيا العربية، ومنها انطلق إلى أرجاء العالم، وغني عن القول
إن العرب كانوا مادة الإسلام الأولى، والرافعة التي استند إليها في الفترة الأولى من انتشاره على خريطة العالم، ومن أبناء العرب كان الشهداء في كل معارك الفتوحات التي رفعت راية الدين الجديد حتى في الصين.جربت الشعوب العربية حكم القوميين، فلم تحصد غير الخسارة والخذلان، وتسلم السلطة باسم القومية قادة لم نعرف منهم غير الحكم الدكتاتوري، وساعدهم في ذلك قيام دولة إسرائيل، ليرفعوا شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، وبمعنى أن كل حديث عن الديمقراطية وتداول السلطة مؤجل، إلى ما بعد تحرير فلسطين وهو هدف نبيل، لكن أياً من تلك الأنظمة لم يقم بدور حقيقي وجدي في هذا المجال، في حين تم استغلال الشعار لكم الأفواه، وسيادة المفهوم الأمني للدولة، وبحيث صار كل مواطن مشبوهاً إلا إن كان من رحم تلك الأنظمة.حاول اليسار في فترة سطوع نجم الإتحاد السوفييتي، وبمساعدة لم تكن سرية من موسكو، الوصول إلى السلطة، لكن الفشل كان بالمرصاد لكل تلك المحاولات، وتجربة اليمن الجنوبي ماثلة للعيان، كما أن الأحزاب الشيوعية التي كان مأمولاً أن تلعب دوراً إيجابياً، وخصوصاً في العراق والسودان كانت فريسة لعنف الأحزاب القومجية، التي كانت ترفع شعارات يسارية وتنادي بالاشتراكية، وفي الوقت عينه تذبح الشيوعيين، وتنشر عنهم في أوساط البسطاء شائعات، لم تكن يوماً من أخلاقهم ولا هي ضمن برامجهم. في الأثناء ومنذ بدايات القرن الماضي وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وانتهاء حكم الخلافة، حاول الإسلام السياسي البقاء في الصورة، فبرزت في الجزيرة العربية الحركة الوهابية السلفية وتبناها آل سعود سياسياً وأثمرت المملكة العربية السعودية، وفي مصر نشأت حركة الإخوان المسلمين التي انتشرت سريعاً في أرجاء العالم العربي، وتمددت إلى الكثير من المجتمعات الإسلامية غير العربية، لكنها جوبهت بقمع الأنظمة القومجية، التي كان العسكر يقودونها، فلجأت بسبب ذلك إلى التحول الظاهري إلى حركة دعوية، تقدم خدمات اجتماعية للفقراء، لكنها لم تفقد طموحها السياسي في الوصول إلى السلطة، وهي ترفع شعار الإسلام هو الحل.لا يعني كل ذلك أننا نقبل بحكم الإسلام السياسي فيما نتطلع إلى الدولة المدنية، ولا نتوقع لتجربة الإسلاميين النجاح، فالقوم لا يمتلكون من البرامج الاقتصادية والسياسية ما يلبي حاجات مجتمعاتنا، والمؤكد أنهم سيشكلون مرحلة انتقالية بين الحكم الدكتاتوري، والدولة المدنية الديمقراطية، فالجماهير التي أوصلتهم إلى السلطة ستكتشف قريباً في أي خطأ وقعت، وهي جماهير باتت تمتلك إرادتها وليس هناك ما يمنعها من إنهاء سيطرة الإسلاميين والعودة إلى أصل الثورات التي اندلعت ضد الطغاة والدكتاتوريين، لكن ذلك يجب ألا يعني أن هناك إمكانية للفصل بين العروبة والإسلام، إلا إن كان الغرض هو العودة إلى حكم القومجيين.
في الحدث: ربيع العرب والإسلام
نشر في: 29 فبراير, 2012: 08:35 م