احمد المهناأحد نجاحات صدام المؤسفة، التي مازالت شغالة في أجواء العراق، يتمثل بالموقف السلبي من الدول العربية. وهو موقف نجح في تعميمه ليمتد من الأقربين، الى أبعد الأبعدين. فسياساته، وبالخصوص منها احتلال الكويت، أدخلت البلد في حرب لا مع دولة، أو اثنتين، وانما مع الأمم المتحدة. فالحرب التي شنت على العراق عام 1991 ، حظيت بمباركة مجلس الأمن الدولي، وهو قوام ما يعرف بالشرعية الدولية.
وكانت عواقب تلك الحرب أشد مأساوية من الحرب ذاتها. فالقتال استمر 42 يوما، ولكن الحصار دام 13 عاما. كما ان فصوله لم تنته، ومنها استمرار خضوع العراق الى الفصل السابع، وصعوبة حصول العراقي على تأشيرة دخول الى أي وجهة، عدا الآخرة.ولذلك بات العراقي يشعر بالوحدة، وخذلان الجميع له. وهو شعور تفاقم بعد الغزو الأميركي عام 2003 . فقد جاء ذلك الغزو نتيجة تغير في الاستراتيجية الأميركية، تمثل بالنشر العنيف للديمقراطية في الشرق الأوسط. وذلك هو ما جر الإقليم كله الى حرب مع الولايات المتحدة على أرض العراق، لعبت فيها ايران وسوريا دور البطولة.ومع اطمئنان الإقليم الى تراجع الولايات المتحدة عن سياسة النشر العنيف، بل وحتى اللطيف، للديمقراطية، حل السلام النسبي في العراق. وأصبحت المشكلة الأمنية مشكلة محلية في المقام الأول.ولكن الموقف السلبي من العرب لم ينقطع ومازال شغالا في الوجدان العراقي. وهو موقف ينبغي تجاوزه، والتحرر منه، فلا شيء يترتب عليه غير الضرر يتلوه الضرر. فما من مكسب تجره أي كراهية أو عداوة.وهو موقف يحرف عقولنا عن النظر الى المصدر الأساس لأزماتنا ومشاكلنا، وهو نحن، اي السلطة والطبقة السياسية والشعب. ويوجهها الى الخارج، العرب أو الأجانب. والخارج حتى اذا شكل عاملا سلبيا، فان المسؤولية تقع في ذلك على عاتق الداخل، فلو لم يجد ملاذات له فينا وبيننا ما كان له ان ينفذ، ويتسلل، ويعمل ما يعتقد انه مفيد لمصالحه.هو أيضا موقف يبعدنا عن وسطنا وعالمنا الطبيعي، وهو العالم العربي. فالعراق ليس بلدا عربيا في أغلبيته وحسب، بل هو في نظر العرب والمسلمين، وفي نظر التاريخ، يحتل موقعا فريدا في وجدان العروبة والإسلام، لأنه كان مركز ومقر الحضارة العربية الإسلامية في أزهى عصورها.إن هذا الموقع او المركز ليس رأسمالا رمزيا وحسب، على أهمية ذلك، وانما يمكن البناء عليه في استثمارات ثقافية واقتصادية مهمة اذا أحسن التعامل معه واستغلاله.وفي الحقيقة فإنه لا معنى في لغة العقل، لغة الفوائد والمصالح، من تصنيع عداوات، أو مواقف سلبية، من العرب خصوصا، او من الأجانب عموما. ثم أننا اذا ناصبنا العرب العداء أو الكره فمن نكون؟ هل نكون العجم أم الروم؟لمثل هذه الأسباب، وليس لأهداف "سياسية" قد تكون صغيرة أو ضيقة الأفق، أظن انه يجب الترحيب بانعقاد القمة العربية ببغداد، وبكل خطوة نحو تطبيع العلاقات العراقية العربية. لسنا ضحية احد. ولا ينبغي ان تضعف ثقتنا بأنفسنا الى هذه الدرجة. درجة تحميل الآخرين مسؤولية مصائبنا. الأقوياء والراشدون لا يفعلون ذلك، لأنهم يحترمون أنفسهم، ولأنهم يعرفون ان المصائب لن تحل بتحويل اسبابها إلى الآخرين بل تستمر وتتضاعف.
أحاديث شفوية: أهلا بالقمة!
نشر في: 29 فبراير, 2012: 10:22 م