أحمد عبد الحسينأخيراً ألغي مشروع "النجف عاصمة للثقافة الإسلامية". ليس من بين المتابعين من لم يكن يتوقّع ذلك، الروائح العطرة للسرقة والاختلاس فاحتْ منذ أول يوم للمشروع، أقيل مسؤولون على خلفية سرقات وآخرون في الطريق لكننا مع ذلك كنا نتفاءل حين نرى حماس وإخلاص مبدعي النجف، وفي كلّ حوار لي مع الصديق فارس حرام رئيس اتحاد أدباء النجف كنت أؤجل يقيني بفشل المشروع،
لأن الصديق الشاعر يمنحني جرعة أمل بأن هناك بين المسؤولين نفوساً لم يصلها فايروس اللصوصية بعدُ، ويبدو ان فارس كان مخطئاً، كلنا ـ نحن معشر المشتغلين بالثقافة ـ مخطئون.أمس كشف محمد عايد الموسوي "وهو رئيس اللجنة الحكومية المكلفة للتحضير للمشروع" عن إلغائه تماماً، بعد أنباء تحدثتْ عن تأجيله إلى إشعار آخر، ربما لم ترد الحكومة أن تصدمنا فجعلتنا نتقبّل الأمر على جرعات، فأولاً تم الإعلان عن تأجيله ثم بعد أسبوعين يلغى نهائياً، لتجنبنا الدهشة ولتقطع الطريق على من يريد أن يسأل عن الأموال التي أنفقتْ، مَنْ أنفقها وأين وفي جيب أيّ ملاكٍ عابد زاهد استقرّتْ أخيراً راضية مرضية؟لكن الحكومة تعرف يقيناً اننا لن نسأل، سيصار إلى فتح لجنة تحقيقية، ثم يُنسى الأمر وتذهب مليارات الدولارات في حسابات مصرفية قد يكون بعض منها لأشخاص تباكوا ويتباكون على فشل المشروع.اللصوصية والطائفية هما سبب خراب المشروع " لكنْ أليس هما سبب خراب العراق؟" هذا التنين ذو الرأسين يطلّ برأسه دائماً ويفرغ كلّ شيء من محتواه. الجديد في تصريح عايد الموسوي أن هناك صفقة عراقية سعودية لإلغاء المشروع، تقضي بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإنجاح القمة مقابل شروط من بينها نسيان "النجف عاصمة للثقافة الإسلامية".طبيعيّ أن تخشى السعودية من صورة النجف كمنتجة للثقافة أكثر من خشيتها من التشيّع السياسيّ، فالساسة "بشيعتهم وسنتهم" يعضدون بعضهم البعض إذا جدّ الجدّ، كما قال إليوت في قصيدة له "نحن البشر الجوف يسند بعضنا بعضاً". ممكن للطائفيّ أن يتقبّل عدوّه الطائفيّ إذا كانا منتجاً لفنون السرقة والرذيلة السياسية مثله تماماً، لكنه غير قادر على تقبّل مثقف يستطيع نزع الأشواك الطائفية عن ثقافة بلده ومجتمعه.مع ذلك فلا نستطيع أن ندّعي أن السعودية هي التي أفشلت المشروع باتفاق سرّي مع حكومتنا الرشيدة، حتى لو كان هناك اتفاق كهذا " وهو أمر لا نستغربه" فإن المشروع لم يكن ليخرب لولا لصوصنا الرسميون.انتهى المشروع. وسينتهي كلّ مشروع ثقافيّ كبير في العراق، مادامت الغلبة والكلمة العليا لهذا الكائن المسخ المكوّن من قداسة وسياسة، من حراميّ وقديس، من طائفيّ ولصّ، من أيادٍ تتختم بمحابس فيها العقيق والفيروز والياقوت ودرّ النجف، أيادٍ متوضئة دائماً مع ان حكمها في الفقه الإسلاميّ أن تقطع.
قرطاس: سيّد الخواتم
نشر في: 2 مارس, 2012: 08:17 م