شاكر الأنباري في بحر الولاءات، والتكتلات الحزبية والطائفية، والانحيازات العشائرية والمناطقية،والفوضى في إدارة الدولة سواء في العاصمة أو المحافظات، يبدو وكأن جميع المشتغلين بالسياسة،ممن تبوؤوا مناصب مهمة ومؤثرة، غارقون في التزوير، والسرقة، والتآمر، سواء على أقرانهم أم على الوطن. الأمر الذي يرسم صورة سوداء لحياتنا، ويفقد أي أمل في الإصلاح. الجميع يتكلم عن هذه الحقائق، ويكررها على مسامعنا ليل نهار، من كان في لب السلطة او من كان على أطرافها.
والنتيجة أن الكل مدان، وفي الوقت ذاته بريء، وهذا بالضبط ما يشيع يأسا مطلقا لدى المواطن بالدرجة الأولى، ولدى أصحاب اليد النظيفة العاملين في الشأن العام بالدرجة الثانية. التزوير والسرقة والفساد أصبحت عناوين بارزة في الصحافة العالمية والمحلية، حتى وصل بعض تلك الملفات الى مجلس النواب، وعلى طاولة مجلس الوزراء، ويتذكر المواطنون ملفات الملعب الرياضي في البصرة، وأمانة العاصمة، وعقود الكهرباء والنفط، والنجف عاصمة للثقافة الإسلامية، كذلك ملفات الاغتيالات والتصفيات، وملفات المقاولات والعقود في أغلب المحافظات. وكل ملف من هذه الملفات يحتوي على أسماء مسؤولين، وشركات، وصفقات، وميليشيات، وأحزاب، معروفة الصفات والعناوين. ومع وجودها المعلن إلا ان شيئا من الحقيقة لم يظهر الى السطح، وبذلك يبدو السيناريو كما لو كان مكتوبا، ومخرجا، ومنفذا، وممثلا، من قبل أشباح لا أشخاص من لحم ودم. وهذا ما يذكرنا احيانا بأفلام الرعب الهتشكوكية، أو الأفلام البوليسية المستعصية على الحل. وهذا ما يخلط الأوراق، ويجعل الكل مدانين ومتهمين، وفي الوقت ذاته أبرياء، ما دام القانون يقف عاجزا عن جلاء الحقيقة. والسؤال هو: هل ان الطبقة السياسية العاملة في الشأن العام كلها فاسدة، ومجرمة، وتشتغل بالتزوير والعالم المافيوي؟ كلا بالتأكيد، وهذه بديهية. والسؤال الآخر هل أن الطبقة السياسية الحاكمة، او التي على هامش الحكم، بريئة من هكذا اتهامات، وتلفيقات، والقضية لا تعدو تشويه سمعة النظام الديمقراطي الجديد؟ كلا أيضا، فثمة عاملون فعلا من وراء الكواليس عبر صفقات، وولاءات مافيوية، هي التي تقف مسؤولة بدرجة كبيرة عما نعيشه من اخفاقات بنيوية، جعلت من العراق بلدا مريضا، مشلول الفاعلية، في اكثر من جانب: التنمية، الانفتاح، الاستقرار الأمني، المستوى العلمي، الرفاهية الاجتماعية، الى آخر القائمة من متطلبات بلد أوشك على الموت في زمن ما. ما هو الحل اذن في فلترة هذه الفوضى من النزاهة والفساد، البراءة والإجرام، الكفاءة والعجز؟ انه القانون بلا شك. دون وجود مرجعية القانون الجميع مدان والجميع بريء. والقانون حتى هذه اللحظة غير فاعل في ان يخلص الأذهان من هذه الالتباسات، وخلط الأوراق. وعجزه غير مخفي بالتأكيد، ويتحدث عنه الشارع بصوت عال، الشارع الذي تقع عليه نتائج هكذا بيئة غير نظيفة. فهو الذي يعاني الروتين، والفساد، والرشوة، كلما راجع دائرة لتمشية أمر من أموره الشخصية والعائلية. وكلما انفجرت في وجهه المفخخات، والسيارات القاتلة، والمسدسات كاتمة الصوت. وهو الذي يضيء لياليه بالكهرباء المظلمة، ويتنفس هواء من سرطان وأوبئة وموت. وهو الذي يكدح عشرات الساعات لكي يقدم الطعام لأولاده في كل وجبة، ويدفع إيجارات صارت هي الأغلى من بين دول المنطقة. المواطن لا يفقه شنشنة السياسيين، وعنعناتهم، وحذلقاتهم. انه يعيش الأزمات كل ثانية ودقيقة، ومن حقه ان يرى القانون الواضح، الفاعل، والصريح، يحل له لغز هذا الفيلم الكابوسي الذي ظل متواصلا طيلة عقود، ولا يبدو ان له نهاية قريبة.
كلمات عارية :الكابوس الذي لا ينتهي
نشر في: 2 مارس, 2012: 11:40 م