TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن :جمهورية المايكروفونات والمصفحات

العمود الثامن :جمهورية المايكروفونات والمصفحات

نشر في: 3 مارس, 2012: 12:01 ص

 علي حسين  التجارب التي تعيشها الشعوب الحية تثبت لنا كل يوم أن الفعل البشري الحر يمكن أن يفعل الكثير إذا توفرت له الإرادة والرؤية الصادقة، حيث يسعى العديد من البلدان إلى تقديم نموذج جديد للبشرية، نموذج يحترم الإنسان ويقدر قيمة الحياة، سياسيون يخصصون الأموال لرفاهية شعوبهم لا لشراء المصفحات والحوائط الإسمنتية، نقرأ في الأخبار أن اردوغان منح لكل طالب تركي جهاز "أيباد" وتناقلت وكالات الأنباء تركيا وزعت ستة عشر مليون جهاز إلى طلبتها ونصبت مئات الآلاف من الشاشات الرقمية في الجامعات والمدارس،
أن فيما بشرنا وزير التربية محمد تميم أن عصر المدارس الطينية عندنا في طريقة إلى الزوال في السنوات المقبلة.  ذهبت والى الأبد تلك الأيام التي كان فيها عسكر تركيا يتحكمون بكل شيء، خفت أصوات المايكروفونات التي تحمل خطب الدكتاتور ليعلو صوت العلم والتنمية ورفاهية الشعوب، ثمة مؤهلات لابد من أن يحملها من يسعى إلى الحكم أولها الشجاعة، يقف الرئيس التشيلي ووزراء حكومته أياما طويلة أمام احد المناجم لإنقاذ عمال لم يتجاوز عددهم الأربعين ولم يغادر إلا بعد إنقاذهم فقد أدرك أن الناس استأمنته على حياتها ومستقبلها، والثانية هي النزاهة، في اليوم الأخير لرئيس الوزراء البريطاني مكميلان في الحكم جاء عامل ينزع آلة الهاتف، فقال له "ماذا تفعل؟ هذا هاتفي". وأكمل العامل نزع الهاتف قائلاً: "هذا، يا سيدي، هاتف رئيس الوزراء" ليبتسم مكميلان في النهاية وهو يقول "ستبقى بريطانيا حية"، ويرفض ديغول أن يرى ابنه الأميرال في البحرية يتولى أيّ منصب مهم إلا بعد خروج الأب من الاليزيه.أبطال الزمن الحالي، رجال مثل لولا دا سيلفا، عامل مصنع الحديد، الذي عندما قرر أن يقاتل الفقر، لم يجعلها معركة ثأرية بل جعلها حربا من اجل فقراء البرازيل، لم يطل "لولا" الخطب بل أطال العمل والجهد وتعمق في محبة الناس. وجعل شعاره اغناء الفقراء لا إذلال المختلفين معه في الرأي. لقد شهدت بلدان العالم، ولادة صنف جديد من الأبطال: يأخذون الناس معهم إلى حروب جديدة على الفقر والأمراض والجهل والأمية والاستعباد.يقول ماريو فارغاس يوسا "إن بلدان العالم بدأت تشفى من تخلفها عندما تخلت عن فكرة الزعيم البطل صانع المعجزات" .كأنما الدرس الذي تعطيه بعض الشعوب موجه على نحو خاص، إلى بلد برلمان المصفحات وحكومة المليارات الضائعة، بلد سياسيي المايكروفونات الذين ما انفكوا يحاصرونا بخطب طائفية كريهة تعمق جراح الناس لا تشفيها، فالجميع مدجّجون بعبارات الرفض، رافعين شعار "وحدي وليذهب الجميع إلى الموت" مجبولون على كره الحوار، يأنفون من ثقافة الشراكة السياسية. فيعيش الشعب معهم على الهامش، أكثر من ألف عراقي خاضوا حرب الحياة مع مياه دجلة، لم يجدوا حتى اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة أي مسؤول يقف منتظرا عسى أن يتم إنقاذهم لكن الساسة ذهبوا صوب مايكروفونات الإعلام يبثون، يحتجون، وينددون فيما عوائل الضحايا لا تزال حتى هذه اللحظة تنتظر من يمد يده إليها لينفذها من العوز والفقر والتشرد، 33 عاملا تقف تشيلي بأكملها لإنقاذهم فيما تخلى مسؤولونا عن إنقاذ ضحايا الإرهاب الذين تحولت بيوتهم إلى مقابر، الحكومات الفاعلة تفتح طرق الحياة مع مواطنيها، فيما يشيد ساستنا سدوداً بينهم وبين الناس تكبر يوما بعد يوم.كان هنري كيسينجر يميّز بين السياسي الحقيقي والسياسي النجم. الأول، هو الذي يحب الناس ويعمل من اجلهم، والثاني مصاب بهوس الأضواء والصراخ، لذلك يمضي الأول عمره في العمل بصمت، ويمضي الثاني حياته يصرخ أمام اي ميكروفون.تقوم تجارب الحكومات الناجحة على الصدق والمشاعر الإنسانية. فيما تعيش جمهوريات المايكروفونات على الشك والنميمة والانتهازية واحتقار الإنسان ويعزف سياسيوها على نغمة واحدة هي الخداع واللصوصية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram