بغداد/ المدى لا يمكن فصل مشكلات الشباب عن مشكلات مجتمعاتهم العامة، إذ يستحيل فصل قضايا التعليم والبطالة العالية في صفوف الشباب وممارسات العنف غير المبررة والابتعاد عن الانخراط في الحياة المدنية والضياع الثقافي، عن قضايا الاستبداد السياسي والقمع الأمني وعدم عدالة توزيع الثروة والجاه والسلطة وغياب الاستقلال الوطني والسير في بناء تنمية مشوهة، التي تنخر جسد المجتمع العربي .
يتحدث عمر فاروق (طالب جامعي) ليقول : هناك قطاعات وخدمات تتحمل مسؤوليات تأجيج مشكلات الشباب؛ من هذه القطاعات بعض وسائل الإعلام غير المنصفة ، وعلى الأخص الفضائيات التي تؤثر على الشباب بالصوت والصورة، مضيفا فمع أن فئة الشباب تصل إلى حوالي نصف البلاد إلا أن الفضائيات التلفزيونية التي تختص بفئة الشباب لا تزيد على بضع محطات لا تزيد على الواحد في المائة من تلك الفضائيات.بينما تقول سؤدد رحيم : حتى تلك المحطات التي تدعي اهتمامها بالشباب تقدم له برامج ثقافية سطحية هابطة، وتركز على برامج التسلية الغريزية، وبالكاد تلامس الجوانب العقلية الرفيعة أو الإشراقات الروحية العميقة، وتنأى بنفسها عن قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تصطدم بتوجهات السلطة الحاكمة، بل وتبتعد عن كل ما قد يخلق إشكالية مع شركات الإعلان، وتضيف: عندما تجرؤ على طرح قضايا الشباب للنقاش والحوار فإنها تأتي بالكبار والمسنين لإلقاء المواعظ ووضع اللوم على الشباب، وذلك بدلاً من إفساح المجال للشباب أنفسهم لكي يتحاوروا في ما بين أنفسهم من جهة ولكي يعلموا مجتمعاتهم بصراحة تامة عما يعانون من مشكلات أسرية ومجتمعية .وكنتيجة لكل ذلك يتوجه الشباب لمشاهدة المحطات الفضائية الأجنبية لتدخلهم في عالم هو غير عالمهم وفي ثقافة لا ارتباط بينها وبين هويتهم، بل ولتسهم في اندماج غالبيتهم في الثقافة العولمية الاستهلاكية الفردية التي تعزلهم عن مجتمعاتهم وتاريخهم وذاتهم الاجتماعية . وهكذا تنتهي بمشهد تكوين إعلامي مركب؛ داخلي عربي مختلف وخارجي أجنبي مضلل ومدمر.ويشير الباحث الاجتماع احمد إبراهيم إلى أن حصيلة ذلك التكوين الإعلامي، الذي لا تواجه سلبياته أسرة متماسكة مثقفة ولا مدرسة محفزة لاستعمال العقل التحليلي الناقد المستقل المبدع، شباب غير ملتزم تجاه محن وأوجاع مجتمعاته، منخرط في حدود الخطر في المتع الحسية، هارب بكل الوسائل عن تحمل مسؤوليات جيله، حامل أمراض الحاضر وأوبئته إلى المستقبل، متسائلا هل يمكن تصور كارثة حضارية أكبر من كارثة فقدان الأمل، لا في الحاضر فقط وإنما في المستقبل أيضاً؟ وفي وجود هوة عميقة تفصل أجيال الأمة عن بعضها بعضاً بحيث تنعدم الاستمرارية الطبيعية بين الماضي والحاضر والمستقبل؟ وبالرغم من كل ما سبق، دعونا نذكر أن اعتماد العمر، كمقياس وحيد لتعريف الشباب، هو خطأ فادح، فالمطلوب أيضاً هو أن يعي الكبار بأن تعريف الشباب في عصرنا هذا يشملهم هم أيضاً . كيف؟ عندما نقتنع بأن الشباب ليس عملية حسابية بالسنين وإنما ظاهرة حياتية مرتبطة بالطاقة الإنسانية، والتاريخ مليء بالإنجازات الكبرى وبالإبداعات الفكرية والفنية وبالاختراعات التي تفجرت في آخر العمر . وقديماً قالها شاعر بولندي: “رب لا تدعني أموت في الفراش، بل أموت في ساحات الدفاع عن الحرية”. من هنا فليكن الشباب مواد بناء الطاقة والحيوية والعقل والفكر والالتزام في صغار العمر وفي كبار العمر على حد سواء، فالشباب هو شباب الحياة لا شباب العمر.
فضائيات تُضيّف "مسنين" للحديث عن مشاكل الشباب!
نشر في: 3 مارس, 2012: 08:31 م