وائل نعمة لا أعرف إن كان يمازحنا سائق التاكسي في ذلك النهار أم يتحدث بجدية . سعينا أنا وزميل قديم في أيام الدراسة للذهاب إلى احد الأصدقاء بمنطقة شعبية في شرقي الرصافة، وأثناء تنقلنا بين جانبي بغداد عبر سيارة الأجرة أطلق سائقها العنان للسانه، كان ثرثارا، فتجول بنا في حديثه بين السياسية والاقتصاد، والأمن والبطالة وسوء الخدمات، ولم يتوان عن انتقاد بعض الفتيات اللاتي يرتدين ملابس ملونة، واخرج رأسه أكثر من مرة من نافذة "السايبا " ليتغزل ببعض الطالبات الجامعيات.
بعد مرورنا بعشرين سيطرة أمنية وصلنا إلى مبتغانا، وبينما نحن نرتفع وننخفض مع المطبات الحقيقية والاصطناعية، واجهنا زحاما واشتباكا للسيارات في احد التقاطعات يبدو انه لن يفض إلا بعد ساعات ! الجميع يصرخ "ارجع شويه ...اطلع للأمام "، هل معقول أن الأميركان عادوا من جديد وقطعوا الطريق؟ أم مسؤول قرر الاجتماع مع الجماهير في الشارع ...( وين اكو هيج سالفة ) ؟! لم نسمع صوت انفجار أو صفارات سيارات الشرطة ، وقبل أن نستمر بالتكهنات قاطعنا سائق التاكسي ليقول "انه جادر عزاء...هذه فاتحة عشائر". جميعنا نتذكر ما كان يسمى بـ"رؤساء عشائر التسعين" نسبة الى الفترة التي ظهروا فيها على الساحة العراقية، عندما قام صدام حينها بتصعيد عدد من وجهاء العشائر من الخطوط الثالثة والرابعة وغير المرحب بهم أساسا في قبائلهم إلى الواجهة، وأغدق عليهم الأموال والسيارات والأسلحة، كحركة استباقية أمنية كان يسعى إليها النظام لمحاصرة أي تحرك قد يحدث ضده في المستقبل كما جرى في انتفاضة عام 1991 في مناطق الجنوب والفرات الأوسط ، بعض هؤلاء الزعماء العشائريين الجدد بالغوا في إظهار ولائهم مثل جواد العنيفص الذي وجد في مزرعته في قضاء المحاويل بعد عام 2003، اكبر مقبرة جماعية تضم أبناء الحلة والمدن القريبة منها، عندما قام النظام السابق بمساعدة "العنيفص" بدفنهم وهم أحياء تحت الأرض بدعوى سحق المؤامرة التي حدثت ضد القائد الأوحد.لم نفهم نكته أم حقيقة. قال السائق : "انتوا مو أبناء عشائر؟ ... جرت العادة أن تكون فاتحة شيخ الفخذ في الشارع الفرعي، وشيخ العشيرة في الشارع الرئيسي"!! . لم يكن للعشائر دور قبل عام 1991 في المشهد العراقي وأقحم صدام البعض منهم في منظومته الأمنية وسلطهم كالسيوف على رقاب الناس. بعد عام 2003 اختفى بعض شيوخ عشائر التسعين وتلون آخرون بلون العراق الجديد وهرب "العنيفص" بطريقة درامية رخيصة من احد المعتقلات الأميركية ، وبرز دور العشائر بشكل أوسع لاسيما بعد مساهمتهم في الملف الأمني والإمساك ببعض المناطق التي كانت تسمى حينها بالساخنة ، ولكن أن يشاركوا في خنق الشارع وتكريس الزحام فلم يكن من بين مهامهم – على ما اعتقد – لا افهم ما معنى أن يغلقوا سوقا بمحاله ويخنقوا شارعا لأربعين يوما - إذا كان المتوفى شخصية عشائرية مهمة - على الرغم من وجود عدد كبير جدا من الجوامع والمساجد والحسينات والمساحات الفارغة في بغداد؟ ولا افهم لماذا يقف شباب صغار في التقاطعات ويمنعوا السيارات عن الاقتراب من الشارع الذي يضم الجادر بمسافة تبعد مئة متر؟ يعود سائق التاكسي ليقول ونحن نقترب من بيت صديقنا الذي تأخرنا عن موعدنا معه ثلاث ساعات "انه فخر يضاف إلى أصحاب المتوفى ... كلما توسع الجادر وأغلقت الفروع والشوارع". وفي حادثة طريفة يرفض أهالي مدينة الصدر قبول مشروع 10×10 (السكن العمودي) لأنهم لا يعرفون أين ينصب "الجادر" في وقت العزاء وهم يسكنون في شقق معلقة بالهواء؟!
من داخل العراق:إغلاق الشوارع.. هيبة!
نشر في: 3 مارس, 2012: 08:32 م