د.نعمة العبادي يعاني المراقب للسياسة الخارجية التركية من صعوبة القبض على مسارات محددة يمكن من خلالها أن يرسم صورة واضحة لطبيعة هذه السياسة وتوجهاتها ومواقفها.ويتزايد هذا التشويش مع دخول (تركيا-أوردغان)بقوة على موجة الأحداث والتغيرات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أعلن منظر ومخطط السياسية الخارجية التركية والأب الروحي لحزب العدالة والتنمية احمد داود أوغلو في كتابه (العمق الاستراتيجي..موقع تركيا في الساحة الدولية) عن ستة مبادئ قال عنها: يتعين على تركيا الالتزام بستة مبادئ حتى يتسنى لها تطبيق سياسة خارجية ايجابية وفعالة وهي:(مبدأ التوازن السليم بين الحرية والأمن)،و(تصفير المشكلات مع دول الجوار(أي صفر مشاكل))،و(التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار)،و(السياسة الخارجية متعددة الأبعاد)،و(الدبلوماسية المتناغمة)،و(أسلوب دبلوماسي جديد). يعقب أوغلو عند التعرض للمبدأ الثالث بعد أن يبين أسباب عدم تأثير تركيا في الشرق الأوسط بسبب حالة القطيعة بين العرب والأتراك ،ويشير إلى أن هذا التوجس والريبة والبرود بالعلاقة قد انتهى، ويفسر ذلك بقوله:"بيد أن الضرورات البراغماتية التي تولدت عن الحاجة إلى الدعم الدبلوماسي المتبادل فتحت الطريق أمام هذه العلاقات،وحطمت الحواجز التاريخية /النفسية،وهو ما جعل تركيا أكثر التزاما بسياسة شرق أوسطية فعالة منذ 2002". إن كلمة الضرورات البراغماتية يمكنها أن تعين في تفسير هذا التذبذب والتقلب ،والوجوه المتعددة التي تلبسها السياسة التركية في المنطقة ،مما يلزمنا رصد حركة المنافع والمخاطر من المنظور التركي وعلى أساسها يمكن فهم واستشراف المواقف التركية ،وتوجهات سياستها الخارجية، وطبيعة المواقف التي تتخذها تركيا- اوردغان ،بحيث تكون متضادة تماما في بعض الأحيان. بعيدا عن البحث في تطبيق المبادئ الستة على سلوك أوردغان تجاه العراق في الفترة الأخيرة ،ومدى ملاءمة تصريحاته الاستفزازية لمبدأ تصفير المشاكل وللأسلوب الدبلوماسي الجديد،بل وللمواقف والمسيرة السابقة لنهج السياسة التركية تجاه العراق ما بعد نيسان 2003، لا بد من الانتباه إلى الحركة المريبة التي يحاول اوردغان توظيفها تجاه الحكومة العراقية. صحيح أن اوردغان ليس وارثا شرعيا لمبدأ"فرق تسد"،لكنه وأسلافه ليسوا بعيدين عن توظيفه، فماذا تعني هذه الدعوات التي توجهها تركيا إلى القيادات العراقية في وقت تشتد فيه الأزمة إلى درجة التفكير بسحب السفراء وإغلاق السفارات؟وأي مقولة يريد تسويقها عندما يقول نحن لسنا ضد الشيعة وإنما ضد سياسة حكومة المالكي؟والى أين يريد أن يصل من خلال لعبة الانفراد بالأضداد ،فمرة دعوة للسيد النجيفي وأخرى للسيد عمار الحكيم ،وقد تتبعها دعوة جديدة للتيار الصدري أو لقوى سياسية أخرى؟يقال أن السيد اوردغان عاطفي وانفعالي،وأن المواقف الأخيرة كانت ردود فعل انفعالية ولم تكن مواقف مبدئية وسياسة إستراتيجية لتركيا،فهل تؤكد الوقائع هذه الدعوى؟ويقال أن السيد احمد اوغلو غير راض عن مواقف اوردغان الأخيرة، وان رؤيته تتجه إلى التهدئة ،وان تقاطعا بينهما بشأن الموقف الأخيرة من العراق ،فهل يمكن أن تقود عقلانية اوغلو رئيس وزرائه إلى مراجعة متأنية وإعادة نظر؟ويقال أيضا، إن اوردغان حرص على توجيه دعوة إلى المرجعية في النجف الاشرف لغرض توضيح موقفه من شيعة العراق وأسباب تصريحاته الأخيرة،إلا أن المرجعية لم تستجيب لهذه الدعوة ولذلك عمد إلى دعوة السيد عمار الحكيم كبديل اقرب،فإذا ما صحت هذه الأخبار،إلى أين يريد أن يصل السيد أردوغان،هل يريد أن يصل إلى طمأنة الشيعة وتوضيح مواقفه أم إلى تفريق حلفاء السيد المالكي عنه ، وحصر المعركة معه ليظهر للعراقيين أن الموقف التركي ليس له منطلقات طائفية وإنما هو تقاطع في الأفكار واختلاف في الرأي حول الأداء السياسي؟ تركيا التي تعودت على دور الوسيط في الملفات الشائكة، ونقاشات خلف الكواليس والتي عملت نائبا في أكثر من مورد عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو والعربية السعودية وإسرائيل أحيانا،هل تحمل مشروعا ما من جهة أو جهات يتعلق بالأزمة العراقية الأخيرة وقضية الهاشمي والتفكير بحكومة الجديدة؟وإذا ما كانت هذه النبوءة صحيحة ،فما هو شكل المشروع التركي الجديد ومن يدعمه؟ربما يقرب هذه النبوءة إلى الواقع ما أسميته لعبة الانفراد بالأضداد ،حيث يكون مقدمة هذا المشروع إقناع مكونات التحالف الوطني الأخرى ،(غير دولة القانون) إلى التفكير ببديل للسيد المالكي ،وقد تتضمن الصفقة إعطاء ضمانات بدعم ومساندة دولية وعربية وخصوصا من دول الخليج العربي عبر العراب التركي. في عرض للسيناريوهات الواقع العراقي بعد انسحاب القوات الأمريكية ،أشرت إلى أن واحدة من مؤشرات الحالة السيئة أن يزداد تجرؤ دول الجوار على التدخل بالشأن العراقي وخصوصا،تركيا وإيران ،فهل أن موجة التدخلات والتصريحات الجريئة التي يعج بها الفضاء العراقي هذه الأيام جاءت في هذا السياق ومن خلاله؟ وإذا كان الأمر هكذا بالفعل ،فماذا ينبغي على القوى العراقية أن تقوم
أردوغان ومعركة الانفراد بالأضداد
نشر في: 3 مارس, 2012: 08:52 م