سليمة قاسم أصبحت الحركة الطلابية منذ وثبة كانون المجيدة معيناً لا ينضب لرفد الأحزاب السياسية بكادر متميز، وكان لطلبة الجامعات لاسيما الصيدلة والطب والشريعة دورفاعل في تحريك أحداث الوثبة التي انتهت بإسقاط الحكومة والمعاهدة معا. كانت الحكومات المتعاقبة تتعرف على نشاط القوى والأحزاب الوطنية من خلال طلبة الجامعات الذين مارسوا دورا كبيرا في توعية الناس و تعريفهم بحقوقهم المشروعة ،
لكن هذا الحال نراه قد تغير بالكامل، فطلبة الجامعات اليوم يعيشون في واد آخر، فهم بعيدون عن التعاطي مع السياسة ، بغض النظر عن الصراعات التي حدثت وتحدث اليوم داخل الحرم الجامعي وهي صراعات طائفية في إطارها العام. وهنا لابد من أن نتساءل عن أسباب القطيعة التي حصلت بين طلبة الجامعات والسياسة، ولماذا لايشاركون مثلا بتظاهرات ساحة التحرير، بحكم درجة وعيهم وتحصيلهم العلمي؟وإذا ألقينا نظرة بسيطة على أوضاع الجامعات في العراق وطرفي المعادلة فيها الأستاذ والطالب، نجد أن الجامعة التي تعتبر مركزا لاستكمال الجوانب المعرفية والثقافية لدى طلبة المراحل الثانوية لتمكينهم من فهم المرحلة الجامعية للقيام بدورهم الريادي في المجتمع، تحولت منذ زمن الطاغية إلى مؤسسات للقهر والاستبداد ومسيّرة بقرارات النظام الحاكم وأصبحت أداة فاعلة اعتمدها النظام المباد لقمع الإنسان ومصادرة كرامته.وبعد سقوط النظام أصبحت الجامعة بؤرة لتكريس الخلافات والأزمات بسبب قلة الوعي،وازدياد إنتاجها الكمي وقلة إنتاجها النوعي.أما الأستاذ الجامعي وهو المحور الأساس في توجيه الأجيال الناشئة كونه رائدا من رواد عملية تغيير المجتمع ، أصبح هو الآخر تابعا للسلطة بهدف الحصول على امتيازات مادية يؤمنها النظام لمواليه وفرض تطبيق سياسة الحزب الحاكم ،وظهرت طبقة من الأساتذة الطفيليين الذين سخروا كل إمكاناتهم لخدمته وتحولوا إلى مخبرين سريين، وأصبح الانتماء الحزبي أهم من الكفاءة العلمية. أما من ظل محتفظا بمبادئه من الأساتذة فقد كان نصيبه التهميش أو الاستقالة أو السفر خارج البلد. وفي سنوات الحصار اضطر الكثير منهم إلى العمل في مهن لاتتناسب مع مستواهم العلمي كبائعي سجائر أو سائقي سيارة أجرة .ونتيجة لتلك الأسباب فقد تدنى المستوى العلمي للجامعة العراقية بشكل كبير ،فانقطع تواصلها مع التطورات الحاصلة في العالم بسبب تقليص الميزانية المخصصة لها ومنع التواصل مع العالم عبر الانترنت وتقليل البعثات الدراسية .هذا التدني في المستوى العلمي للجامعة انعكس بشكل كبير على الطالب باعتباره المتلقي الأول، وظل وضع الجامعة بعد سقوط النظام يسير من سيئ إلى أسوأ، وأصبحت العلاقات الحزبية والمحسوبية تتحكم في توزيع المقاعد، سواء على الطلبة أم التدريسين. أما طرق التدريس ومناهجه فقد ظلت على طرازها التقليدي ولم تنجح في مواكبة حركة التطور العلمي التي يشهدها العالم المتقدم ، ونتيجة لذلك فقد وصل الجامعة الكثيرون ممن لا يجيدون سوى كتابة أسمائهم، بذلك نستطيع أن نقول إنه لم يبق من الجامعة غير اسمها .فالمؤسسة العلمية ككل تأثرت بسياسات النظام المباد ثم جاءت المحاصصة لتجهز على ما تبقى، كل ذلك أضعف الحركة الفكرية عند طلبة الجامعات باعتبارهم جزءاً لايتجزأ من المجتمع الذي طحنته الحروب والحصار وتدنت مستويات الوعي فيه بشكل كبير، فأصبحت الجامعة لا تضم النخبة من الطلبة المتميزين بثقافتهم ووعيهم السياسي ،وهو السبب الأساس في حدوث القطيعة بينهم وبين السياسة.
طلـــــبة الجـــامعـــات والســـياســة
نشر في: 3 مارس, 2012: 08:53 م