أحمد عبد الحسين أمس في الندوة التي أقامتها "المدى" حول السينما العراقية أدركت مقدار اليأس الذي يستشعره سينمائيو العراق من إمكانية أن نكون ـ كسائر بلدان العالم حتى الفقيرة منها ـ منتجي سينما ولو بالحدّ الأدنى. لا نحدّث أنفسنا في أن نكون كمصر طبعاً، فعجلة الإنتاج السينمائيّ التي دارتْ في الشقيقة الكبرى قبل قرن تقريباً رسّختْ هناك قواعد وأعرافاً،
كوادر وأدوات إنتاج لن يقيّض لنا امتلاكها إلا بعمل دؤوب نسابق به الوقت لتعويض قرن من الفشل لم ننتج فيه سوى 100 فيلم فقط، أغلبها غير ذي سويّة فنية.المناخ العراقيّ بعامة ـ سياسياً وأمنياً ـ لا يشجّع على ازدهار فنّ من الفنون، بل أن المجتمع العراقيّ نفسه وقد صار في قبضة قوى ارتكاسية مهيمنة، صار ينظر إلى الفنّ بازدراء مستعار من ازدراء ذوي القدم الراسخة في السياسة والعقيدة إلى الفنّ بعامة، وإلى السينما بخاصة. إذا أردت أن تعرف آثار هذه النظرة فيكفي أن تعرف أن بغداد أصبحت بلا قاعات عرض سينمائيّ، حالنا حال بعض جيراننا ممن يحرّم فقهاؤها السينما.أنشئ في العراق عُرف يزدري السينما، وهو أمر غريب، لأنّ كثيراً من سياسيينا وعلمائنا يترسمون خطى جارتنا الأخرى "إيران" في نواحٍ كثيرة، عقائدياً وسياسياً، فلماذا لا يستوردون منها شغفها بالسينما وتسامح علمائها مع هذا الفنّ الراقي، وتشجيع ساستها لهم؟قبل فترة ليست بعيدة التقى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي مجموعة من المشتغلين بالسينما، فقال لهم كلمة أرجو من أصحاب النفوذ لدينا الإصغاء لها جيداً، قال لهم "انتجوا أفلاماً .. اعملوا سينما .. اعملوا حتى نزيل المنبر!".صعب أن نطلب من جماعتنا هنا أن يكونوا كخامنئي، فالرجل مثقف كبير، شاعر، وقد ترجم عن العربية كتباً مهمة، كما أن الكاتب الإيراني صادق زاده قد ذكر مرة في حوار تلفزيوني معه أن الخامنئيّ يمتلك ثقافة موسيقية مهمة وله دراية عميقة بالتراث الموسيقيّ الإيرانيّ. وهي ميّزات صعب أن تتوافر عند رجل دين "على الأقلّ في هذه الفترة المحتدمة طائفياً".هناك استثناءات نادرة بالتأكيد. لن ننسى الكلام الذي قاله السيد عمار الحكيم قبل أيام عن ضرورة إعطاء الحرية للسينما العراقية، وهو كلام كان محرّضه على قوله فوز فيلم إيراني بجائزة أوسكار، وربما كان محرّضه الأكبر كلام الخامنئي الجريء الذي يريد للسينما أن تزيل المنبر.العالم اليوم يفهم لغة السينما أكثر مما يفهم لغة المنابر، السيّد الخامنئي يدرك ذلك، والعالم يفقه قوة السينما أكثر مما يفقه قوة القنبلة النووية، بقي على أصحاب الشأن عندنا أن يتعلموا هذا الدرس، فأنا ـ لو كنت إيرانياً ـ كنت سأشعر بفخر عظيم لحظة إعلان اسم الفيلم الإيرانيّ الفائز في أوسكار أكثر من شعوري بالفخر لحظة إعلان مسؤول عن خطة إيرانية لغلق مضيق هرمز مثلاً، لأن اللحظة الأولى تصنع حياة، والثانية مقدمة لموت وشيك.
قرطاس :سينما
نشر في: 3 مارس, 2012: 08:54 م