وديع غزوانتحتفل الهيئات التعليمية كافة في الأول من آذار من كل عام بعيدها مع تمنيات الجميع بأن تعود إلى الصورة المشرقة التي ألهمت الشعراء والأدباء بنظم وكتابة موضوعات أدبية عجزت عن وصف الدور الكبير لهذا التربوي في المجتمع ونهضته.
وتمر ذكرى عيد المعلم وأغلبنا تعود به الذاكرة إلى أيام الدراسة عندما كان هذا المتفاني يبذل جهده ليكون القدوة ليس لطلابه في المدرسة حسب بل وفي أي حي أو منطقة يتواجدون فيها، لذا كانوا عنصراً مهماً عند جميع الحركات الوطنية بمختلف أجنحتها بل ومرتكزها الأساس لاستقطاب الطلاب وكسبهم للعمل لصالح هذا الحزب أو ذاك. ويتذكر البعض من جيلنا كيف كان المعلم والمدرس في تلك المرحلة ينتهز أية فرصة للحديث عن القضايا التي تشغل بال المواطنين وسبل معالجتها دون أن يعطل دوره الكبير في أداء واجبه التعليمي والتربوي. وإزاء هذا الدور المهم كانت هذه الشريحة مصدر قلق السلطات ومراقبتها المستمرة، وكثير منهم كانوا "ينفون " للعمل في مناطق نائية في كردستان أو الجنوب لتحجيم دورهم لكنهم سرعان ما يتكيفون ويأتلفون مع المحيط الجديد، ليعاودوا نشاطهم بأكثر حماسة وأعلى همة، بل وطدوا علاقاتهم وطوروها ليكونوا جزءاً من هدف كبير عنوانه تحقيق العدالة وكرامة الإنسان المهدورة. ونظن أن أجيالا من أهالي أربيل والسليمانية ودهوك والناصرية والعمارة والديوانية ما زالت تروي لأبنائها قصصاً عن معلمين مخلصين من الأنبار وبغداد وتكريت والحلة وغيرها من مدن العراق الأخرى ،كانوا بحق نموذجاً في العطاء والتضحية استحقوا من اجلها أن يوصفوا بالرسل، لأنهم بحق كانوا حملة رسالة نبيلة. هذه الصورة الجميلة تعرضت للتشويه بسبب عوامل كثيرة من بينها الحروب والأوضاع المأسوية التي مرت بالعراق خاصة منذ الثمانينات ،وأجهز الحصار في التسعينات أو كاد على ما تبقى، فأخذنا نسمع حكايات لا تليق أن تذكر عن هذه الشريحة، كما ساد أوساطها الفساد بأسوأ أشكاله كالرشوة والدروس الخصوصية، وكان من الطبيعي أن تنتكس العملية التربوية وتتدهور. بعد 2003 وما حدث من تغيير في العراق لم يكن معولاً أن يتعافى هذا القطاع بسرعة، فليس هنالك عصا سحرية تحقق ذلك بعد خراب شامل، غير أن الأمنيات كانت تتوجه صوبه ليكون مع طليعة المساهمين في عملية البناء الجديد إن لم يكونوا في المقدمة منهم، على افتراض أنهم الأكثر وعياً لاحتياجات العملية الديمقراطية ومستلزماتها، غير أنه ولأسباب في مقدمتها إخضاع التربية والتعليم للمحاصصة، بقي متخلفاً عاجزاً عن اللحاق ليس بالدول المتقدمة بل حتى بمصاف الدول المجاورة التي اعتادت أن ترسل أبناءها للعراق سابقاً. ومع تقديرنا لما يعلن من خطط لإنهاء مظاهر التدهور في هذا القطاع، فإن الأمانة تقتضي الإشارة إلى التنبيه على العنصر البشري وتهيئته لممارسة دوره التربوي والتعليمي وترسيخ قيم المواطنة بعيداً عن رياح الطائفية وسمومها التي نرجو أن تقف منها الوزارة ومديريات التربية موقفاً حازماً. الحديث طويل وذوو شجون عن المعلم واستعادة وجهه المشرق. وفي مناسبة كهذه أقل ما نقدمه وقفة استذكار لأساتذة أجلاء ما زالت بصماتهم واضحة في مدن وقرى وقصبات كرستان وكل أنحاء العراق الأخرى.
كردستانيات: هنيئاً للمعلم عيده.. ولكن
نشر في: 3 مارس, 2012: 09:59 م