TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: انتفاضة 91.. و"الثورات الناقصة"

عالم آخر: انتفاضة 91.. و"الثورات الناقصة"

نشر في: 3 مارس, 2012: 10:08 م

 سرمد الطائيامضيت ليل امس السبت مع الاصدقاء ونحن نتنقل بين مشاهد من ارشيف حرب الخليج وانتفاضة 91 العراقية. الصور تذكرنا بطعم الموت والبطش والقيامة الذي تجرعناه تلك السنة، وارشيف افلام الفيديو القديمة يعيد تشغيل اسطوانة حرب لم تنته حتى اللحظة، في رؤوسنا وضمائرنا.
في مثل هذا اليوم قبل 21 عاما، انتهت انتفاضة البصرة (عدا منطقة شط العرب) وانتقلت شرارة الاعتراض المسلح الى مدن اخرى ثم سرعان ما اطفئت، وراح رجال صدام حسين يعيدون الاستيلاء على العراق المعترض شبرا شبرا. اما أنا ابن الرابعة عشرة يومها، فوجدت نفسي عند الحدود الايرانية حيث هربت العوائل من القصف، وسط نقاش الاكبر سنا، حول المصطلحات للتفريق بين "الانتفاضة" و"الثورة". كنا نردد اننا نشهد ثورة لكن راديو بي بي سي يصر على وصف ما يجري بأنه تمرد او "انتفاضة". احدهم قال ان الانتفاضة ليست سوى "ثورة فاشلة"، او ثورة لم تحقق اهدافها بعد! وبعد 21 عاما من تلك الوقفة على الحدود المتربة، لازلت مع سواي نرقب تطورات "الثورة" التي لم تحقق اهدافها بعد، رغم ان كل قادتها الافتراضيين وصلوا الى السلطة!ومعظم القادة اليوم، لم يكونوا في "ساحة الوغى" لكنهم وجدوا انفسهم فجأة هم واحزاب المنفى، "ملهمين روحيين" لانتفاضة عراقية لم يحسبوا لها حسابا. وحين احبطت صاروا يعيشون على مأساتها وينتظرون قطف الثمار، فقد كان القمع الرهيب من اكثر الصور التي استمد التغيير عام 2003، مشروعيته منها. وكما اصبح هؤلاء فجأة، قادة انتفاضة لم يخططوا لها، فقد وجدوا انفسهم فجأة عام 2003، في قيادة نظام جديد لعراق انتزعه الامريكان من قبضة صدام حسين، ثم تركوه بيد "القادة المنتخبين".آخر مشهد من فيلم وثائقي حول الحرب، كان يزاوج بين صراخ القذافي وعرفات ومبارك تحت سقف الجامعة العربية وهم يتناقشون حول مشروعية ضرب العراق، وآخر مشهد من القرن الحادي والعشرين يغيب عنه معظم زعماء قمة القاهرة تلك، لكن العراق لا يزال يواجه حربا من الخارج حيث خصومه غير الواضحين، كما انه يواجه حربا اقسى، من الداخل حيث يصطرع مع نفسه، مكرسا فكرة "الثورة الفاشلة" التي تكرر اخطاءها، ولا تجد حلا سوى الاستمرار في الفشل وانتظار ان يتواصل تحسن بطيء وان يبقى على قيد الحياة أمل او يتحقق بصور مشوهة.وحين تمر 21 عاما امام اعيننا، فإنها تفصل بقسوة بين كل الدم المراق في اول احتجاج مسلح كبير ضد صدام حسين، وكل الفرص المهدورة والمال المسروق والدم الاضافي المراق في عراق ما بعد صدام حسين. وكل اعوام الألم تلك تقول لنا بقسوة ان صدام لم يكن مجرد خطأ عابر في حياة الامة، بقدر ما كانت سياساته تخبطا لنظامنا الاخلاقي وجهلا قاد الى كارثة.  اما ما تبقى من هذا العماء وذلك الجهل، فهو تخبط نتشاركه جميعا اليوم جمهورا ونخبة وقادة لم ننجح في تخفيف الظلم كثيرا، ولم ننجح في توزيع عادل للثروة، كما لم ننجح في فك نهائي لقيود العزلة التي فصلتنا عن العالم المتقدم، بعد.نحدق في صورة نساء يصرخن داخل الاضرحة المقدسة عام 91 الذي كان حفلة موت بطريقة مؤلمة، ونكاد نذهل لان صراخا مشابها يستمر بعد 9 اعوام من غياب صدام حسين. تخبط صدام جعلنا نصرخ، وتخبطنا اللاحق جعلنا نستمر في الصراخ والموت بطريقة مؤلمة ايضا.انني من اشد المؤمنين بأن حلم التغيير يستحق ان نموت من اجله. لكن هذا لن يلغي حقيقة اننا تأخرنا في نقد نظامنا الاخلاقي والسياسي، الذي انتج صدام حسين وأمثاله، ولا يزال في وسعه ان ينتج نظائر لهم في مستويات مختلفة من الظلم والكذب والضحك على مصائر الناس ومآلاتهم.انتفاضة 91، لا تزال "ثورة ناقصة"، وأشباح كل من رحلوا بألم في كل السنوات، لا تزال تطرح علينا اسئلة التغيير ومعناه. اما آمالنا فهي تتواصل ولا تموت، لكنها لا تزال تولد بصورة مشوهة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram