TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: دراكولا

قرطاس: دراكولا

نشر في: 4 مارس, 2012: 08:12 م

 أحمد عبد الحسينأنجح طريقة يمكنك أن تستغفل بها أحداً وتجعله تابعاً لك؛ تتحكم به كيفما شئت، هي أن تحاصره بالرعب، تتركه يحيا في خوف دائم، تجعله يرى في الظلمة أشباحاً، وتقنعه بأنك تسمع أصواتها تهدّده، إلى أن يسمعها فعلاً ويراها؛ لا بعينه وأذنه بل بعين وهمه وأذن رعبه، حينها فقط يصبح ذلك الكائن الخائف عبدك.
بحكاية "أبو طبر" جعل صدام العراقَ كله يرتعد، ثم بحكايات "الحنطة المسمومة" والهرج والمرج الذي أشاعه في عمليات القتل الجماعي للقطط والكلاب التي قيل إنها كانت تحمل أمراضاً. بقصص الرعب الساذجة هذه روّض صدام قسماً كبيراً من الشعب.الرعبُ يذلل الصعب، هذه حكمة كلّ حكومة تريد أن تكون بوليسية، تتذكرون الأيام التي سبقتْ مظاهرة 25 شباط من العام الماضي كيف ان الأجهزة الأمنية بثتْ إشاعات كثيرة حول نيّة لصوص وعصابات استغلال المظاهرة لسرقة المتاجر، ونيّة إرهابيين لاحتلال المنطقة الخضراء، لم يخيفوا الناس فحسب بل أرادوا تخويف صاحب القرار الأول في البلد، رئيس الوزراء، ومن يتذكر شكل وتصريحات السيّد المالكي آنذاك يدرك انهم نجحوا حقاً في إخافته.اليوم تبثّ الأجهزة الأمنية أفلام رعبٍ جديدة، مستوحاة من سلسلة أفلام دراكولا، ويبدو ان السيناريو الذي أنتجه الأمنيون محبوك على يد من له معرفة بهذه الأفلام، أشاعوا ان الشبان الذين يلبسون ملابس غريبة ويطيلون شعورهم هم عبدة شيطان، وانهم "مصاصو دماء" وانهم "إيمو" ومرتبطون بأجهزة مخابرات دولية مغرضة.كلّ واحدة من هذه التهم كافية لإخافة الشارع العراقيّ، الخائف أصلاً من وضع أمنيّ قابل للانفجار في أية لحظة، مع ان "عبادة الشيطان" طائفة لا علاقة لها بمصاصي الدم الذين هم كائنات لا وجود لها طبعاً بل هم مخلوقات خرافية في حكاية تخيف الأطفال وتملأ جيوب منتجي الأفلام، وهؤلاء وأولئك لا علاقة لهم بـ"الإيمو" التي هي صرعة في الملبس أصبحتْ منتشرة في البلدان العربية "لا الغربية فقط" منذ سنوات عدة.في المظاهرات عمد مسؤولو الأمن إلى إخافة السياسيين ونجحوا، اليوم يريدون إخافة المتدينين، وسينجحون على الأرجح، فليس أكصر مدعاة للخوف من حلول الشيطان بيننا نحن المجتمع الرحمانيّ الملائكيّ، فنحن لا ينقصنا سوى أجنحة لنغدو ملائكة، مجتمع ليس فيه لصوص ولا فاسدون ولا وزراء مزورون ولا ساسة يتحكمون وحدهم باقتصاد البلد، كلّ عراقي اليوم هو آدم قبل إنزاله من الجنة يتنعم بخيراتها، لكنّ هؤلاء الإيمو الملاعين الذين يشربون الدم يريدون أن يزلنا الشيطان ويخرجنا مما نحن فيه من نعيم.سيبتدئ موسم صيد "الإيمو" قريباً، سيقتل شبان كثر بهذه الأفلام التي يخترعها أناس لا يخافون الله ولا ضمائرهم، وهناك عبيد مستعدون دائماً لأن يكونوا محض أصابع تضغط على الزناد بلا فهم أو تدبّر.المسخ المكوّن من سياسيّ وطائفيّ خائف من الإيمو مصاصي الدماء، وهذا "السياسطائفيّ" يفكر اليوم بغضب: كيف يقوم هؤلاء الشبان الوقحون بمزاحمتنا على اختصاصنا: مصّ دماء العراقيين؟ مصاص الدم في العراق واحد لا شريك له ولا أنداد!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram