سرمد الطائي هل تتذكرون المعركة النادرة التي خسرها نوري المالكي أمام البرلمان الخريف الماضي؟ لقد نجح البرلمان يومذاك في تمرير قانونين يسحبان من رئيس الحكومة صلاحية ترشيح رئيس هيئة النزاهة ورئيس ديوان الرقابة. اتصالات مكثفة بين الكرد والعراقية والمجلس الأعلى والصدريين وقفت بوجه محاولات المالكي للاستيلاء الكامل على ملف مكافحة الفساد والهدر، وجعلت صلاحية الترشيح لرئيسي المؤسستين المهمتين، من حصة البرلمان ولجانه القانونية والتدقيقية..
يومها قلت ان "المالكي تعب" وخذلته الأفلاك في "لحظة نحس رئاسية" وجعلته يخسر معركتين في يوم واحد. لكن الاخبار الجديدة تقول ان الافلاك عادت "لتحرس" حظوظه في ملف النزاهة.النائب خالد العلواني مقرر لجنة النزاهة في البرلمان يقول ان المحكمة الاتحادية قامت وبطلب من رئيس الحكومة، بنقض تشريع البرلمان بهذا الخصوص. وأعادت القانون الى مجلس النواب طالبة ان يجري تعديله ومنح صلاحية ترشيح رئاسات المؤسستين الرقابيتين الأعلى، إلى رئيس الحكومة تحديدا.وهنا تؤكد لنا المحكمة الاتحادية انها لن تقف بوجه ما تريده الحكومة. وهنا ايضا يؤكد لنا المالكي انه لا يستسلم ابدا، فهو يعوض الخسارات المؤقتة بأرباح كثيرة، فلا يقتنع بالمعارك التي يكسبها وحسب، بل ويعود لكسب المعارك التي خسرها ايضا. فقد توعد حلفاؤه يومها بالذهاب الى المحكمة الاتحادية ونقض القانون الذي مرر بتحالف اغلبية النواب.قلنا يومها انه سينشغل بكسب معارك الانسحاب الامريكي وتوقف المظاهرات والتخلص من الهاشمي الى الابد ويتناسى بفضل ذلك رغبته العميقة في الاستيلاء على ملفات النزاهة ويتركها داخل حلبة البرلمان حيث تحكم التعددية السياسية وتنوع الاصوات ولعبة التوازنات التي لن يكون فيها المالكي ضعيفا بالمرة... لكن اتضح اليوم العكس.فرئيس الحكومة كما يبدو ليس من النوع الذي ينشغل بكل تلك "الانتصارات" عن ملف النزاهة المهم الذي يمكن ان يحدد ما اذا كان الانفاق الكبير للدولة صحيحا ام مخلوطا بالاخطاء الفادحة. انه رجل لم يتعود تقاسم النصر والهزيمة بينه وبين خصومه، ولا يقنع الا باستحصال كل النصر، ونقل كل الهزائم الى معسكر منافسيه.وليس من الواضح ما سيحصل في البرلمان اثر قرار المحكمة ارجاع القانون اليه، كي يكتب من جديد لصالح المالكي. لكن ما نفهمه ان كل الامور تصب في صالح رئيس الحكومة هذه الايام، وفي وسعه على الاقل ان يستحصل النقض تلو النقض من الاتحادية، الى الابد، دون ان يستسلم للبرلمان. وما الضير في بقاء القانون عالقا بين بغداد وبرلمانها طالما كانت هيئة النزاهة مجرد مكتب ملحق بمكتب رئيس الحكومة، وظلت الملفات المهولة والمرعبة، تحت تصرفه؟ان "فلسفة" المالكي في الحكم هي ان يحصل السلطان على كل شيء. وأن يوافق البرلمان على كل رغباته. وهذه "الفلسفة" حسب رأيه هي الكفيلة بخلق "الرجل القوي" القادر على انتشال العراق من لحظة الخراب الراهنة، الى مستقبل زاهر. انه يرأس الحكومة التي تفشل، ويريد ان يرأس الهيئات الرقابية التي تدقق في ذلك الفشل. فلسفة المالكي هي ان يصبح الخصم والحكم في لحظة واحدة، ليكتب هو مصائر النجاح والفشل، ويكون بين يديه كل المعلومات التي يمكن انتقاء ما يصلح منها لتعظيم دور هذا او "تدمير" كيان ذاك. حينها لن يكون مهما ان ينفق رئيس الحكومة 50 مليار دولار خارج الموازنة او داخلها. ولن يكون مهما ان ينقلب الفشل نجاحا والنجاح فشلا. فالرئيس وفق فلسفة المالكي هو "الخصم والحكم" بمشيئة المحكمة الاتحادية، وبالبرلمان الممزق والمشلول والمشغول بألف قضية ثانوية تتيح للسلطة ان تتكرس في مكان واحد، وفي قبضة رجل واحد. المالكي لا يتعب!
عالم آخر :"النزاهة" والمالكي الذي لا يتعب
نشر في: 4 مارس, 2012: 10:10 م