احمد المهنا تقول نكتة ان "بطل بيبسي فارغ" من الحجم الكبير ضبط متلبسا وهو يحاول الهروب على الحدود، فسئل: - ماذا تفعل؟ - أريد الفرار وطلب اللجوء! - ولماذا؟ شرد ذهن "البطل" قليلا ثم استعاد تركيزه وقال: قبلت العمل بمهام كثيرة خارج نطاق اختصاصي. ملئت ماء ووضعت في الثلاجة. وفي استعمالات أخر ملئت باللبن، الخل، دهن المولدات، والدبس. كما استخدمت للتشطيف. وقبلت ذلك كله وغيره دون تذمر. لكن أن تقص قاعدتي لأستخدم كمحكان( قمع) فذلك فوق احتمالي!
والنكتة ذات أبعاد احتجاجية كثيرة. إلا أن شديد احتجاج قنينة البيبسي يتركز على عدم وضع "البطل" المناسب في المكان المناسب. وهذه ظاهرة عرف مثلها عالم البشر بوفرة صاخبة منذ خرج الضابط المناسب الى المكان غير المناسب، وتحديدا من الثكنة الى السلطة. والعراق الجمهوري، أو الفوضوي إن شئتم، هو نتاج تلك " الخرجة" التي لم يعد منها الى النظام حتى اليوم.والأمثلة على هذه الخلخلة أكثر من أن تحصى. قبل أيام فقط طلبت من سائق تاكسي نقلي من الكرادة داخل الى جسر الشهداء، فاذا به يقف عند جسر الأحرار ظنا منه بأنه جسر الشهداء. ابني شغلك شنو؟ سألته وخرجت من سيارته غاضبا. واضح أنه عديم الصلة بمهنة سائق التاكسي. وصادف ان ذلك اليوم هو الجمعة، حيث المتعة الإسبوعية بشارع المتنبي. وقد نغصها الصبي علي، واضطرني للذهاب الى شارع المتنبي مشيا، لأن استئجار تاكسي جديد كان سيقودني الى دورة حول الكرة الأرضية بسبب قطع الطرقات المعتاد كل جمعة. ولابد أن وراء هذه القطوعات المتلفة للأعصاب حكمة لا يعرفها أحد سوى أبطالنا من وزن مونتغمري. ويبدو ان ثورات الضباط ليست وحدها من يفعل ذلك بقناني البيبسي وبالبشر. ثورات رجال الدين، أو خرجتهم من الديانة الى " المفسدة"، قد تكون أفدح. في كتابه ( النفس المبتورة) يستشهد الفيلسوف الإيراني داريوش شايغان بهذه الطرفة:"يروى ان رجلا مغتربا عاد للبلد بعد غياب عدة سنوات. وما ان وصل الى مطار طهران، حتى اخذ سيارة تاكسي لتقلّه الى بيته. في منتصف الطريق طلب الرجل من سائق التاكسي التوقف امام بائع سجائر. فسأله سائق التاكسي:- لماذا التوقف يا سيدي؟- لاجل شراء السجائر.- السجائر! السجائر تباع في الجامع.- لكن الجامع بيت الله ويُذهب اليه للصلاة.- خطأ ! للصلاة، يا سيدي، يجب الذهاب للجامعة.- واين تجري الدراسات اذاً؟- ياسيدي الكريم، الدراسات تجري في السجن.- ولكن السجن هو المكان الذي يُوضع فيه المجرمون؟- خطأ ! المجرمون، ياسيدي الكريم، يوضعون في الحكومة".ويعلق شايغان على هذه النكتة فيقول: "جميع الوظائف تبدلت في هذه النكتة.. فالدين تحول الى تجارة رابحة، والجامعة الى حسينيات، والسجن ملاذ لأساتذة الجامعات، والحكومة للمجرمين".ولا نعرف ما اذا كان تأثير ضرب أساس" الشخص المناسب في المكان المناسب" قد امتد الى قناني البيبسي الفارغة في ايران، مثلما بلغت بنا الحال، أم أنه اقتصر على الناس. ولكن يمكن توقع ان هدم ذلك الأساس، الذي تقوم عليه المجتمعات السليمة، يهدد الناس والأشياء معا بتحول المصير الى"محكان".
أحاديث شفوية :المصير " محكان"
نشر في: 4 مارس, 2012: 10:29 م