TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية :صندوق شراء الذمم :رئيس الوزراء يورّط البرلمان برشوة ربيب عدي..!

الافتتاحية :صندوق شراء الذمم :رئيس الوزراء يورّط البرلمان برشوة ربيب عدي..!

نشر في: 5 مارس, 2012: 10:34 م

 فخري كريم

تزداد الشكوك في التلاعبات بالمال العام التي تُقْدِمُ عليها السلطة  التنفيذية. وهي تلاعباتٌ لا تقتصر على الصيغ المعروفة في مجال الفساد المالي والإداري

التي اعتاد الناس على تداول فضائحها، بل ترقى إلى الشبهة  باستخدام الموازنات المحددة بأبوابٍ للصرف لا تطالها الشكوك إذا ما أُخذت  في سياقاتها الطبيعية في ظلّ دولة مؤسسات وقانون وتحت رقابة مالية وإدارية  صارمة.

ومن بين التلاعبات المكشوفة "المناقلات" في بنود وفقرات الموازنات المخصصة لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، والتكييفات في أوجه صرف فقراتها، إذ غالباً ما يمكن "التساهل"، وبذرائع أخلاقية، إزاء أي تكييفٍ يجري لصالح سد نقص في الخدمات، أو إعانة علنية للفقراء "وفق ضوابط شفافة" أو حماية عوائل الشهداء والأرامل، وغير ذلك من أبواب الصرف التي لا تدخل في "خانة" التلاعب الفاسد، كما هو جارٍ في مختلف دوائر الدولة الموبوءة بالرشوة والفساد.

إن "ورطة" الدستور، الذي أُقر في استفتاءٍ شعبي لا غبار عليه، منحت رئيس الوزراء سلطة لا تختلف من حيث الجوهر عن سلطة المستبدّ المتفرد، وهي سلطة مخوّلة بالأساس لمجلس الوزراء الذي جرى اختزاله برئيس الوزراء من حيث الصلاحيات وسواها.. ومثل هذه الورطة يمكن أن تكون ذات أبعاد خطيرة وخاصة في بلدٍ لم تستقر فيه صورة وهياكل الدولة، بعد أن حوّله الاحتلال إلى أنقاض وخرائب، بل يمتدّ هذا الخراب إلى عقود سابقة كذلك في ظل النظام الاستبدادي الفردي، حيث اختزل الدكتاتور في شخصه السلطة والدولة والوطن، ولم يعد ممكناً الخلاص من أيٍّ منهم دون الإجهاز على الجميع. قد يُقال إن الهواجس التاريخية من "مظلومية" الأكثرية والرغبة في حماية سلطتها، وان عبر أدوات الديمقراطية، كانت وراء الإصرار على "تكريس" صلاحيات مطلقة بيد مجلس الوزراء ورئيس الوزراء الذي يُفترض أن يكون من ممثلي الأكثرية المظلومة تاريخياً، وبلغة اليوم "الطائفية" بوصفه شيعياً من عصبة "الإسلام السياسي". وهذا الاعتماد مبنيٌّ على قاعدة تحديد التمثيل بالهوية الطائفية الضيقة، وليس بالهوية الطائفية المواطنية، إن جاز التعبير، وبمعنى آخر التشكيك بالتمثيل الشعبي البرلماني الذي لا يمكن إلا أن يفرز "أكثرية" من بين المكوّن الأكثر عدداً.

وبسبب قصر النظر السياسي هذا، انتهت الأحزاب الطائفية الشيعية إلى دوّامة المأزق الراهن الذي وجدت نفسها فيه، وهي تواجه حاكماً فرداً، لا يُراعي سوى ترتيب إدامة هيمنته الكليّة على السلطة، وترتيب مرافق الدولة وفقاً لذلك، ضارباً عرض الحائط حتى آراء وتقييمات المراجع العظمى للطائفة التي تواصل نقدها العلني الصريح للحكومة وعزلتها عن المواطنين، وتجرّدها من الحساسية الوطنية إزاء معاناة المواطنين وفساد ذمتها دون أن تبالي أو تأخذ بالاعتبار ولو شكلياً هذا النقد الأسبوعي المنتظم لأدائها الحكومي.

وقد شهدت الميزانية العامة، التي اقرها البرلمان قبل أيام فضائح لم يُكشف سوى بعضها للمواطنين، ومن بينها فضيحة المصفحات البرلمانية، وربما أميط اللثام عن ذلك لذرّ الرماد في العيون وإمرار ما هو أمرُّ وأكثر سوءاً وعيباً.

الفضيحة الأخرى التي لم يجرِ التوقف عندها تتمثل في بندٍ مرّره رئيس الوزراء في مشروعه المقدم إلى مجلس النواب، يُخصص بموجبه أربعة مليارات دينار إلى ما بقي من خرائب عدي المسماة "نقابة الصحفيين"، والمخالفة الدستورية لهذا البند واضحة جليّة، فالنقابة المذكورة ليست مؤسسة حكومية، بل هي منظمة مجتمع مدني، والباب المخصص لها يفضح التلاعبات غير المكشوفة لمن كان وراء إدراجها في الميزانية المسمّاة قصداً، بالميزانية الحكومية. ومما يلفت الانتباه إن رئيس الحكومة، إذا أخذنا بالاعتبار حسن النيّة، لم ينتبه للاهتمام بدعم نقابات العمال أو المهندسين أو المحامين أو الأطباء، بل ظل يلاحق نقابات العمال ويحجز أموالها، بحجة ربما تنطوي على اتهام سياسي، في حين يدعي احترامه للديمقراطية حينما يوجه الاتهام إلى هذه النقابة التي ظلت تقاد من قبل عناصر عدي وأزلامه وتضم المئات ممن لا علاقة لهم بالصحافة والإعلام والذين أعطوا هويات النقابة لدواعٍ انتخابية، فيما يتسلط على النقابة عضو فرقة في البعث وأحد أزلام عدي بل ويقال انه مزوّر اضطرت وزارة الثقافة إلى إنهاء خدماته بسبب ذلك قبل أن يتولاه رئيس الوزراء وبطانته بالرعاية والحماية، رغبة أو وهماً بإمكانية تدجين الصحفيين وتحويلهم إلى أبواق لرئيس الحكومة ومواليه، من دون أن يعرف أن القطاع الأهم والأكثر حيوية من الصحفيين هم خارج نقابة الصحفيين حاليا ولم يجددوا اشتراكهم في ظل وصاية قيادتها الحالية.. ويستطيع رئيس الوزراء بحكم العلاقة الحميمة مع (النقيب) الحالي أن يطلب أسماء الهيئة العامة للنقابة ويحيلها إلى جهة محايدة وموثوقة من صحفيين أكفاء ومن ممثلي مختلف المؤسسات الإعلامية الأساسية في البلد للتأكد من التزييف الذي أجري والفساد المرتكب الذي باتت بموجبه النقابة نقابة لغير الصحفيين.

إن الميزانية التي تم إدراجها في الموازنة الحكومية ما هي إلا رشوة علنية لاستمالة وسطٍ لا يسهل فيه قياد الأقلام الوطنية المشهود لها بالنزاهة والمهنية والوطنية، وهي أن عبرت عن شيء، فإنما تعبر عن غيّ المهيمنين على السلطة في غياب دولة واعية ورقابة شعبية حرة. وقد مرّر النواب الكرام هذا الباب، كما أبواب أخرى دون تمحيصٍ أو نظرة موضوعية مجردة، بل ربما خضع التصويت هذه المرة أيضاً لقرار من قادة الكتل المهيمنة على البرلمان دون أن يكون للأعضاء دور فعلي في دراسة بنوده وأبوابه المختلفة.

وهذا الباب المدرج في الميزانية الحكومية يسلط الضوء أيضاً على الاستهتار بالدستور وضوابطه وأحكامه، كما جرى في أمثلة وسوابق أخرى، ويخصص لرئيس الوزراء بقرار من البرلمان "صندوق شراء الذمم" بعد أن كان يخصص بمناقلاتٍ غير دستورية أموالا من ميزانيات القائد العام للقوات المسلحة ومجلس الوزراء وموارد أخرى لهذا الغرض لتكريس سلطته ومواصلة انفراده في الحكم، وتوجهات أخرى لا علاقة لها بترميم خرائب الدولة وإعادة بنائها ديمقراطياً وتخفيف معاناة المواطنين بتأمين الخدمات والكهرباء والماء الصالح والعمل للعاطلين منهم.

إن رئيس الوزراء لم يكتفِ بإغداق المكارم على ربيب عدي: سيارة مصفّحة وإيعاز بوضع أراضٍ تحت تصرّفه، وتخصيص موازنة مغريّة له لرشوة الصحفيين العرب واستمالتهم، بل لم يشعر بالإحراج وهو يكلفه بالاتصال برؤساء تحرير الصحف العربية باسم الحكومة لحضور مؤتمر القمة العربية.

 لعل هذا الخرق الدستوري الجديد وليس الأخير في عهد دولة رئيس الوزراء يقنع قادة "المظلومية التاريخية" الذين أصروا على منح ممثلهم هذه السلطات المطلقة بما ارتكبوه من جناية بحق "طائفتهم" قبل غيرها من عباد الله، ولعلهم يفكرون بخلاص قبل أن نُبتلى بما هو أعظم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram