بغداد/ المدى سقطت الأم على الأرض فجأة أمام طفلها ... الذي كان يلعب ويلهو في أرجاء الشقة ... يسود الصمت المكان كأنه صمت القبور ... تسقط الكرة من يد الصغير ... يخطو ببطء والخوف يطل من عينيه ناحية امة ... يجلس بجوارها .. ينادي عليها ... لكن الأم صامتة ... جثة هامدة ... الحادث قضاء وقدر ...لكن المثير في ما حدث بعد ذلك ! نعود ومن البداية ... صباح ذات يوم ...
يرن الموبايل في بيت الأسرة الغائب عنها الأب في رحلة عمل في سوريا، تاركا زوجته وولديه زهراء (6) سنوات، وعلي سنتان ، تلتقط الأم الهاتف النقال على الطرف الآخر كانت عمتها (جدة الأولاد) تطمئن على أحوالهم من وقت لآخر في غياب ابنها بحثا عن عمل في الخارج ... حوار يدور بين الزوجة الشابة وعمتها يتخلله الضحك أحيانا، وقبل نهاية الحديث تطلب الجدة من زوجة ابنها أن تبقى معها حفيدتها زهراء لعدة أيام ولا تملك الأم إلا أن توافق على رغبة الجدة ... وكـأن طائر الموت يستعد للتحليق في سماء الأسرة ... مساء اليوم التالي ... تجلس الزوجة أمام شاشة التلفزيون تحتضن ابنها الصغير علي ... تحاول أن تقتل الوقت ... الذي كاد يقتلها .. دائما فكرها مشغول بزوجها المسافر ... ووسط طوفان من الهواجس التي انتابت الأم ... يرن الهاتف كان على الخط صوتا مختلفا يحمل رائحة الزوج ... هكذا أحست الزوجة بمشاعرها !... أسرعت تلتقط الموبايل ودون ان تعطي فرصة لزوجها أن يبدأ حديثه ... صرخت في الموبايل وبكت وقالت لزوجها ...( شوكت عاد ترجع ... أنا مشتاقة إليك ... والى شوفتك معي ومع أولادك .. دائما يسألون متى يرجع أبونا)، عينا الزوج لم تدمع لكنه تحامل وظل يداعب زوجته حتى هدأت ثورة المشاعر !... وين الأطفال يا حبيبتي ... سؤال كل أب عندما يغيب عن بيته إجابته زوجته ... زهراء راحت عند امك... وعلاوي نايم ... تريد اكعده الك ! لكن الاب رفض ان يوقظ ابنه مكتفيا بان يرسل له ولابنته قبلتين عبر الأم ... ولم يطل الحديث كثيرا بين الزوجين ... انتهى هذه المرة نهاية حزينة .... بالدموع !... وهبت الزوجة من مكانها عائدة الى غرفتها بعد أن أغلقت الموبايل وراحت في سبات عميق ...صباح اليوم الثاني احد سكان العمارة يغادر شقته في الصباح الباكر ذاهبا الى عمله ... يلمح قلم رصاص يخرج جزء منه من تحت باب الشقة ... يسترعي انتباهه ... لكنه واصل خروجه بعد ان ظن ان الطفل الصغير كان يلعب بجوار باب الشقة وسقط من يده ...نفس المشهد يتكرر في اليوم التالي لكن ما أثار الظنون في نفوس سكان العمارة وفي الطابق الثاني هو صوت بكاء الطفل الذي كان أشبه بالأنين ... يطرق بعضهم باب الشقة ، لكن لا مجيب وفي الوقت نفسه صوت الطفل لا يزال يرن في أسماعهم ... كان ينادي على أمه ! يزداد الخوف في نفوس شقيقها وجدة الأطفال الذين حضروا ... تهاوت أيديهم على الباب يطرقونه هذه المرة بشدة والبعض الآخر ينادي على الأم ... لكن لا احد يرد ... إلى أن اقتحم الأهل والجيران الشقة ... فربما تكون الأم غائبة عن الوعي او أصابها التعب فعجزت عن الصراخ هكذا فسروا الحالة ... لكن المفاجأة كانت اكبر من أسوأ الفروض التي توقعوها ... عندما كسر باب الشقة ... دخلوا مسرعين يسبقهم شقيق الزوج وأمه ... وخلف باب غرفة النوم وجدوا الأم جثة هامدة على الأرض وبجوارها الطفل الصغير علي لا يزال يبكي وفي حالة يرثى لها .. ماتت الزوجة عندما حان اجلها ... هكذا اختار الموت ضحيته وترك الصغير رغم انه ظل بجوار جثة أمه يومين كاملين لم يأكل فيها أو يشرب .. وعندما شرحت الجثة جاء في تقرير الطب العدلي أن الوفاة ليست بها شبهة جنائية وسبب الوفاة هبوط حاد في الدورة الدموية ... وعلى الفور عندما سمع الزوج بوفاة زوجته عاد وكانت رحلة العودة هذه المرة ثقيلة على صدر الزوج ... تملؤها الدموع والأحزان ... بالأمس القريب كان يتحدث معها ... داعبها ووعدها بحياة أفضل للأسرة ووعدها ايضا بأنه سيأتي قريبا في بداية فصل الصيف وقضاء شهر كامل وسط أسرته ... لكن الموت حجز له تذكرة عودة بلا سابق إنذار ... جلس الزوج في (جادر) العزاء حزينا يحاول ان يغلب دموعه .... لكنها غلبته في النهاية ، قال لي بقلب موجوع يحتضن ولده علي ... لا يمكن أن أنسى آخر مكالمة معها ... كان يبدو صوتها حزينا ... ولأول مرة أجدها تبكي بحرقة كأنها تودع عزيز عليها ... لكنها إرادة المولى ولا راد لقضائه ... هكذا انتهت هذه الحكاية ... حكاية طفل جلس بجوار جثة أمه 48 ساعة لم يتحرك او يأكل او يشرب ... فقط كان ينادي على أمه أن تستيقظ من نومها دون أن يدرك عقله الصغير إنها ودعت الحياة !
ماتت الأم فجأة.. فجلس الطفل يومين بجوار جثتها
نشر في: 5 مارس, 2012: 08:11 م