TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: عندما يجلس الشاعر على الكرسي النازي

منطقة محررة: عندما يجلس الشاعر على الكرسي النازي

نشر في: 6 مارس, 2012: 08:01 م

 نجم واليحتى الآن ظل الحديث عن تجربة السجن، موضوعاً له علاقة بالتخيل، عبرت عنه روايات قليلة، دون الدخول بتفاصيله الجزئية، بل غالباً دون أن تمنح السجن المعني هوية أو اسماً، أما يحمل السجن فيها اسماً مخترعاً، "شرق المتوسط" مثلاً، أو واقعياً، لكنه ما عاد موجوداً، تهدم. عدم الحديث عن السجن "المعاصر"، جعل الروايات تلك تبدو روايات عديمة الرائحة واللون والطعم، خاصة وأن بعض كتابها، بدوا غير مقنعين، عندما كتبوا بحرية وبلسان "سليط" عن سجن "مجهول"،
 في الوقت الذي سمحوا فيه لأنفسهم بالتمتع بعطايا تلك الأنظمة التي كان بالنسبة لها السجن أمر روتيني، الكاتب السعودي الأردني الجنسية، عبد الرحمن منيف مثلاً، الذي كتب أول رواية عربية عن السجن "شرق المتوسط"، عاش على بركات نظامين ديكتاتورين، لم يتوقف عن مديحهما حتى وفاته قبل أربعة أعوام: سوريا والعراق! ربما ذلك ما جعل القارئ يضع مسافة بينه وبين بطل الرواية، بالضبط نفس تلك المسافة التي فصلت بين الكاتب وبطله. طبعاً القضية لها علاقة بالحديث عن إحدى التابوات الثلاثة: العسكرتاريا والدين والجنس، التي يقود كسرها إلى عواقب تختلف من بلد إلى آخر، لكنها سيئة في كل الأحوال، الكتابة عن تجربة السجن صراحة، تدخل في باب المساس بسياسة الدولة، الحديث عنها، يحتاج إلى شجاعة نادرة، ستقود صاحبها للسجن من جديد بالتأكيد.  جميع الذين دخلوا السجن يعرفون ذلك، فما أن يُفرج عن السجين، حتى يُقال له وقبل أن يغادر بوابة السجن، عليه أن يصمت تماماً، ألا يتحدث بكلمة واحدة عن سجنه، هذا ما قالوه لنا (أنا وستة آخرين بينهم الصديق عدنان منشد السعيدي).في شريط فيديو مسجل له، خاطب صدام حسين رفاق له، ستبتّ "القيادة" بمصيرهم، قائلاً: "والله، إذا سمعت تحدث أحدكم مع مواطن عراقي أو بعثي، همساً، أطِرَهُ (أشقه) بيدي أربع طَرات"، لنر:"همساً" يقول صدام. ربما هو حرص السجانين وأصحاب السلطة ألا يعرف المواطنون أن هناك سجناً آخر ينتظرهم أكبر من بحبوحة حياتهم التقليدية التي لا تقترب من السجن بل هي السجن الأكبر أصلاً!كتاب فرج بيرقردار "خيانات اللغة والصمت، تغريبتي في سجون المخابرات السورية" الذي له الحق، أن يفتخر، أنه سجل عن طريق نشره تأريخاً في الأدب العربي الحديث، ما كان له أن يرى النور حقيقة ويصدر للأسواق أولاً، لو لم تكن وراءه أولاً: دار نشر بيروتية (دار الجديد 2006، بيروت) وثانياً: لو لم تخضع أصلاً سوريا آنذاك للضغط العالمي، وتُجبر على سحب قواتها وأجهزة مخابراتها من لبنان. لكن وتلك نقطة تُسجل أيضاً لصالح السجين رقم 13، أو السجين صاحب "البيجامة البنية"، أنه ترك للمرة الأولى (وقبل أن يبدأ العالم كله باستثناء حلفاء قليلين، بعزل النظام البعثي الفاشي في دمشق)، وثيقة إدانة علنية مكتوبة بالعربية ضد سلطة وحشية، لا تحتقر الإنسان وحسب، بل بالنسبة لها هذا الإنسان لا يحمل اسماً ولا هوية، مجرد رقم، إذا مات في السجن، أو في المستشفى بعد التعذيب، فلن يكون في "قيوده أو سجلاته أي شيء حقيقي يدل عليه"، سلطة أكثر ما يُغضبها، أن تعرف، أنه شاعر، لا تريد تصديق ذلك، وذلك ما يجعلها، في حالته، تدور به من سجن وحشي إلى آخر لا يقل عنه وحشية، يُجرب عليه جلادوها كل ما لديهم من أجهزة تعذيب، لكي تقنعه، أن الشعر خراء، وأن الإحساس بالتمايز، والبحث عن الذات والقبض عليها مسألة غير موجودة، وأن الحقيقة الوحيدة القائمة - حسب هذه السلطة- هي سلطة "السيد الرئيس الذي ليس له مثيلاً في العالم" وحدها، وهي هذه السلطة التي تقرر هويته وتمنحه محتوى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram