سعاد الجزائريلم يعرف جعفر ابني ابدا ان اسمي الحزبي كان يومذاك (سمر)، لكن زوجته الجميلة قالت وهي تتلمس بطنها:- ما رأيكم باسم سمر؟خفق قلبي حينما نطقت الاسم، المرتبط بتاريخ طويل وحلم اطول عشته، ودفعت ثمنه اجمل سنوات عمري، ومازلت ادفع الثمن وانا على ابواب الستين من العمر. حلمي هذا حملت من اجله اسما سريا كي لا اعتقل من قبل كارهي الاحلام، لذلك اخترت اسماً سرياً: (سمر).
حملت حفيدتي الاولى نفس الاسم، ولا ادري ما هو حلمها الذي سيكون وسيتشكل في سنيها المقبلة، ترى هل ستحلم مثلي وستعيش خيبة، ام ان الجيل القادم سيكون قادرا على تحقيق ما يريده وليس مثلنا..سمر تمتلك عيونا اوسع بكثير من سمر الحزبية، ورؤيتها بالضرورة ستكون اوسع واعمق بكثير من رؤية جيل عاش وحمل خيبات متواصلة..تساءلت وانا انظر في عمق عينيها، ترى ما الذي سنقدمه لهم كي تمتلىء تلك العيون، بكيت وانا احملها للمرة الاولى، انها امتدادي في السنين المقبلة، ما الذي سنتركه لهم، انفعلت كثيرا وانا اراها، وارتجفت خوفا ومهابة من حياة جديدة ستبدأ الآن..لا اعتقد اني اكثر عاطفية وحنانا من الآخرين، انا وغيري مثل بعضنا، نبكي فرحا حينما نحمل احفادنا بين ايدينا، نرتجف امام جيل سيسأل يوماً ما الذي تركناه لهم وما الذي قدمناه، ما هي القيم التي سنعلمها لهم، واية مفاهيم سيتربون عليها!انا على يقين ان رئيس الدولة ورئيس الوزراء وكل رؤساء الكتل واعضاء البرلمان وحماياتهم، بل وحتى الصف الثاني والثالث والعاشر من السلم الوظيفي للدولة ومؤسساتها، قد بكوا وانفعلوا، بل وخشعوا امام مولد الحفيدة او الحفيد، لان ذلك وبكل بساطة ما يريده الانسان، ان يخلق من جسمه جيلا ثانيا وثالثا ورابعا، ولا يفكر ولو للحظة ان تلك الولادة جاءت لكي تقتلع حياتها في عمل عنفي او ارهابي، او ضد مشيئة الحياة والرب.ترى هل يفكر مسؤولونا وقادة كتلنا السياسية باحفادهم، ذوي العيون الواسعة والتي وراء بريقها اسئلة كثيرة منها مثلا:- أي وطن سيجدون حينما يكبرون.. ترابا ام حطبا؟- أية قيم انسانية سيتربون عليها وهم ينمون تدريجيا بين مفخخة وخلاف سياسي؟- أية هوية سيحملونها: هوية الطائفة، ام الحزب، ام الدين، في الوقت الذي تربينا على هوية الوطن واسم واحد حملناه معنا اينما ذهبنا هو العراق؟هل ابتسم قادتنا حينما حملوا احفادهم وهذا شعور انساني بسيط لكنه عالم واسع وعميق وعال جدا ؟الانسان هنا في العراق، وهناك في كل بقاع الارض لا يريد سوى حقه البسيط، ان يعيش كريما لا تداس كرامته، وان يوفر لاهله لقمة وحبا.ان يقدم لاحفاده قيما لا تتقاطع مع حرية انسان آخر.ولا يعيش كي يموت انسان آخرولا يأكل كي يجوع انسان آخرلا يبني كي يهدم بيت انسان آخرولا يغتني كي يعيش الآخر فقيرا..نحن لا نكره بعضنا بل نصنع الحقد مع عجينة خبزنا لكي نطعم صغارنا اخطاء نحن مسببوها، ونلقنهم دروسا لم يعلمنا اياها اساتذتنا الاوائل والكبار.صناعة الكره اصعب بكثير من صناعة الحب، فلماذا نختار الاولى، هل لاننا غرقنا في عالم الرذيلة والفساد وفي هذا العمق الاسود تعلمنا مفردات لم تكن في قاموسنا العراقي. فأمي لم تعرف الطائفية، وصديق ابي مسيحي كنا نأكل خبزهم الكريم، ونحب نحن الصغار حكايات زوجته.. ابي يجالس كل رجال محلتنا ولم يسألهم يوما عن دينهم او طائفتهم، وبقوا معا حتى رحلوا الواحد بعد الاخر الى الدنيا الاخرى، وتركوا وراءهم حبا كبيرا في قلوب ابنائهم الذين بقوا في نفس المحلة حتى اليوم.تعلمنا إن اصاب مكروه احد جيراننا يهب الجميع لنجدته، واليوم يختبىء الناس من بعضهم خوفا.أي قيم سنعلمها لاحفادنا، هل ما زلنا نحمل تلك المفاهيم الغالية التي تعلمناها ممن سبقونا لكي نستطيع ان نصنع وطنا مسالما نقدمه لاحفادنا ذوي العيون الواسعة ؟سأموت من اجل ان اقدم لحفيدتي الاولى ولجيلها وطنا حلمت به حينما حملت نفس اسمها قبل اكثر من اربعين عاما، فهل سيتركوننا نحقق هذا الوطن الآمن؟
وطن للعيون الواسعة!
نشر في: 6 مارس, 2012: 08:37 م