 سرمد الطائي خلال آخر 10 أعوام تغيرت عاداتنا في التواصل مع ما يحدث في الدنيا، مرات عدة. فحتى نهاية التسعينات كنا ندمن الاستماع الى الراديو، فلا نبحث عن مجرد نشرات الاخبار، بل نتابع برامج ترفيهية ومسلسلات اذاعية يستمر بثها شهورا، اذ لم تكن التلفزيونات قادرة على تلبية الشغف نحو الجديد والمختلف. اما حين ظهر الستلايت والصحون اللاقطة والعرب سات وما شابه، فقد ماتت لدى معظمنا اجهزة الراديو،
 وصرنا مدمنين على التلفزيون بمئات المحطات التي يتيحها، حتى ان عاداتنا القرائية تضررت وراحت ساعات مطالعة الكتب التي نحب، تتقلص بشكل ملحوظ. وحين ظهر الانترنت تضرر التلفزيون الفضائي نفسه، فقد شاركه "بيت العنكبوت" او "الويب" مساحة الاهتمام وراحت محطات التلفزة الكبرى تدخل سباق النشر الالكتروني فتربط مواقعها بشاشاتها، او العكس. ويأبى التقدم الغربي الهائل الا ان يواصل "العبث" بعاداتنا، وهو لا يتوقف عن اخضاعنا لرياح تغيير تعيد هيكلة حياتنا بأعمق تفاصيلها، اذ لم نكد نعتد على مواقعنا الالكترونية المحببة حتى جاءنا الفيس بوك و"خربط" ميولنا وعاداتنا ثانية. وخلال بضعة شهور لم يكتف الفيس هذا بإسقاط عدة انظمة عربية وتعريض المنطقة النائمة لهزة لم نألف تحولا متسارعا مثلها منذ ألف عام، بل قام موقع التواصل بسحب كل اهتماماتنا وتحويلنا الى مدمنين حقيقيين على ارتياده. كل الفضائيات والصحف والاحزاب والمرجعيات صارت تفتح نوافذ داخل الفيس املا بأن تحظى ببعض الاهتمام. وآخر ما افعله  شخصيا قبل النوم هو وضع مقالي اليومي على صفحتي الشخصية مقتنعا بأنه سيحظى بانتشار اكبر، سواء نشرت في "البينة الجديدة" لا سمح الله، أم "النيويورك تايمز" بلا فرق.ولم يعد الفيس بوك مجرد ناقل لخبر، بل هو اشبه بجهاز "تخطيط قلب" او جهاز تخطيط عقل، موصول بأرواح الاصدقاء والزملاء يرسم هواجسهم وافكارهم الجديدة والكمية الكبيرة من الاشياء التي تلفت نظرهم. الكثير منا يبدأ يومه بملاحظة "حيطان" اصدقائه، كما يختم يومه بهذا. ولعلي محظوظ بأن اجد كل يوم عشرات الاشياء التي تستحق التوقف بين ما ينشره 5 آلاف من اصدقائي على هذا الموقع.اتأمل الآن الصفحة العامة وهي تأتي بأفكار مثيرة. فأحد الاصدقاء يكتب ان تلفزيون سوريا يحتفل بفوز رئيس روسيا وكأنه من بيت الاسد. صديق آخر يسجل: مبنى البرلمان الجديد سيضم مساكن للنواب ومقرات للكتل وبناية لفضائية المجلس واخرى لجريدته وقاعة تتسع لألفي شخص واخرى لـ700. يا سلام.اكثر من صديق يحث الآخرين على ملاحظة لقاء احمد الجلبي مع قناة الاتجاه ويقول انه يستقطب جمهورا غفيرا في الفيس، وكل من فاته الحوار على الشاشة سيكون في وسعه متابعة تفاصيله المتعلقة بهدر المال، عبر موقع مارك زوكربيرغ هذا.هناك صديق يتأفف من استيراد العراق 18 ألف سيارة ايرانية بملايين الدولارات، في وقت يكافح العالم لتطويق "الجمهورية النووية" اقتصاديا.وفي اطار "الاحلام" هناك صورة لميريل ستريب امام البرلمان البريطاني وهي تروج لفيلمها المهم عن مرغريت تاتشر.. بينما احدهم يسأل: متى تأتي نجمة هوليوود لتقف امام برلماننا؟والاحلام لا تتوقف، فصديق آخر يتحسر على انتشار مدارس الباليه في السليمانية، ويسأل: متى يتعلم اطفالنا العرب الباليه؟ فيرد عليه ثالث بإطلاق جرس انذار مؤلم بعد انباء عن مصائر مروعة لقيها شباب متهمون بأنهم من "الايمو".. والقاتل مجهول كالعادة وحلم التعايش بعيد المنال في المجتمعات شبه "البدائية".وأخيرا فإن هناك من أعرب عن استيائه حيال "نظرية جديدة في الامن القومي" يتحدث عنها القيادي في حزب الدعوة خضير الخزاعي، الى جوار تعليقات حول كتاب جديد لوزير التعليم العالي وضع فيه "خارطة طريق للعراق".وهذا غيض من فيض سيجعلنا حتى حين مدمنين رسميين على الفيس هذا.. في انتظار الخطوة التالية التي سيعبث الغرب من خلالها بكل عاداتنا الحياتية، ولعله ينشئ لنا "حيطانا" اكثر تطورا، تكثف المسيرة الخيالية التي قطعها بنو البشر من جدار الكهف وما ينقش عليه، حتى جدار زوكربيرغ.