TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :شكرا يوسف عباس

أحاديث شفوية :شكرا يوسف عباس

نشر في: 6 مارس, 2012: 11:17 م

 احمد المهنا قبل أيام زارنا الفنان يوسف عباس قادما من القاهرة. ويوسف عازف عود موهوب، أشتهر في الأوساط الموسيقية العربية، رغم انه مازال طالب سنة أخيرة اعدادية في السابعة عشرة من عمره. ويبدو أن الحظ الطيب ساعد على سفره قبل ثلاث سنوات من بغداد الى القاهرة، ليكون تحت وصاية الفنان المعروف نصير شمة، فأحسن رعايته، وتطوير موهبته، ثم عينه مدرسا في معهد "بيت العود" الذي يديره.
وقد استضفنا الفنان الشاب في امسية منزلية، ضمت بعض الأصدقاء. وبحضوره احتكرت الأمسية أصوات العود والغناء. وبالنظر الى هذا الإحتكار الجميل يمكن تصور مدى فرادة الليلة. فليس بالأمر اليسير، ولا القليل، تمضية امسية بين أصدقاء في ليل العراق، تكون كلها للموسيقى والغناء، من دون كلمة واحدة في السياسة أو المرارة.وكنت أرقب قسمات وجه يوسف وبشرته الطرية وشعره المجعد وحركات أصابعه على العود وكلماته بين فواصل العزف. وكانت كلها تشع بالسعادة. وهي إشعاعات بدت كأنها آتية الى بلد نسيت أو أغفلت فيه السعادة. وموحش كل مكان تنسى فيه السعادة. وقادني هذا الخاطر الى التساؤل عما اذا كان ممكنا لمثل هذا المكان أن يوجد. أو هل يمكن لبشر أن ينسى الحاجة الى السعادة؟تجارب التاريخ ( يا للهول!) ترد على هذا السؤال بالإيجاب في الحالات الإستثنائية، مثل ظروف المعاناة الشديدة والحروب والكوارث الطبيعية. وهذا معروف على اية حال. السؤال الأعمق، أو الأخبث، هو أنه هل يمكن لثقافة شعب ما ان تستبعد السعادة كواحدة من الحاجات البشرية الأساسية، وذلك بمعزل عن كوارث الإنسان والطبيعة؟أظن أن الرد هو بالإيجاب أيضا. وقد تكون الأغنية العراقية أحد الأدلة " الجرمية" على ذلك! كذلك معظم شعرنا الشعبي! وأيضا "الآلام الضخام" في بعض فنوننا وآدابنا. " الدعابة" أحد مصادر السعادة، لكنها عيب بنظر مأثورنا التقليدي: " لا عيب فيه الا أن لديه دعابة"! وقد تمتع شاعرنا الأكبر السياب، حسب نجيب المانع، بقدرة فكاهية بديعة في كلامه، ولكنها اختفت عن شعره ونثره، ربما تنفيذا لحكم ذلك المأثور بالإعدام على الدعابة. والمتخصصون في علوم المجتمع يمكن أن يمدوننا بالكثير من الأمثلة "الداعمة"!أبعد من ذلك تمكن المحاججة بأن البشرية لم تعرف على الدوام أن السعادة حاجة حقيقية، ولم تفرق دائما بين الحق والباطل من الحاجات، كما أخطأت فيها بالتأخير أو التقديم عبر العصور. وبعض الأمم قد يكون أوعى من بعض في كل ذلك. بل إن دساتير بعض البلدان أهتمت بالحق في الحزن أكثر مما فعلت مع الحق في السعادة. ولحسن الحظ  تجنب دستورنا الوقوع بمثل هذا المطب الفظيع!وذات مرة قرأ الشاعر هاشم شفيق على مسامع الشاعر المرحوم شريف الربيعي، خبرا يقول أن تجربة علمية أثبتت فائدة الشعر في معالجة بعض الأمراض النفسية، فرد شريف: "مو شعرنا ..مو شعرنا"!إن مساعدة البشر بالتخفيف من وطأة الحياة عليهم هي من بين واجبات المواهب والعبقريات. ومرة أخرى أرد على طريقة شريف: مو عدنا.. مو عدنا! إحنا نثخن منخفف!أما صديقنا عازف العود فيؤدي حقا ذلك الواجب اللطيف عن فطرة وموهبة، وعن تغذية وتنمية من أجواء القاهرة. شكرا يوسف!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram