واسط/ المدى أودت الأحداث، التي مرت على العراق، بحياة الآلاف، لاسيما الرجال، الذين تركوا وراءهم آلافا مؤلفة من النساء والأطفال، وأغلب هؤلاء لا يستطيعون توفير لقمة العيش، ويجدون صعوبة كبيرة في مصارعة الظروف الصعبة حولهم.
عندما يختفي المعيل تتحول الحياة إلى جحيم، خاصة وأن مجتمعنا يربي المرأة على أنها تابعة للرجل، ولكن عندما يختفي هذا الرجل تتحول المرأة إلى متسولة، لاسيما مع عدم توفر ما يدعى رواتب الرعاية الاجتماعية.على أية حال، تزور "عين ثالثة" اليوم محافظتي الكوت والموصل، لتلتقي في الأولى نساءً يعملن في نبش القمامة، أما في الموصل فتلتقي فتاة تبيع أشياء بسيطة في الشارع.نبدأ أولا بالكوت حيث تتجمع نسوة كل يوم من الصباح حتى المساء عند مواقع الطمر الصحي، بحثا عما يمكن بيعه للحصول على بعض الدراهم لإعالة الصغار.هؤلاء نسوة لم يخترن هذا الطريق على الإطلاق بل اجبرن عليه ويروي قصتهن سيف عبد الرحمن من الكوت:"بدأت علاقة أم جاسم وعمرها 73 عامـاً علاقتها بمكبات النفايات بعد وفاة زوجها في حادث تفجير حيث دفعتها الحاجة إلى إعالة أسرتها إلى حمل سلتها و الذهاب إلى مواقع الطمر الصحـي للعمل في المزابل لساعات طويلة تمتد من ساعات الفجر الأولى حتى الثالثة عصراً يوميا، بحثاً عن أي شيء يمكن بيعه.وتقول أم جاسم التي لديها سبع بنات "مكبات نفايات الأغنياء غنـية بالبقايا مثل أصحابها"، وتضيف بأن محتويات النفايات تختلف من منطقة إلى أخرى حيث تتعافى في المناطق الحضرية وتصبح ضئيلة وفقيرة في المناطق الشعبية.وتعمل 78 آليـة متخصصة، على نقل كمية تتراوح ما بين 500 و 600 طن من القمامة يوميا إلى موقع الطمر الصحي الوحيـد في الكوت بعد أن أقدمت الإدارة المدنية على إغلاق موقع طمر صحي، جنوب مدينة الكوت، لأسباب أمنية كونه يقع قرب ثكنة عسكرية تتخذها القوات الأمنية مقرا لهم، فيما ينتشر 16 موقعا آخر للطمر الصحي في مدن المحافظة الأخرى بمعدل موقع طمر واحد لكل مدينة.ويقول سجاد نوري موظف في بلدية الكوت والمسؤول عن إدارة مواقع الطمر الصحي منذ أكثر من 5 سنوات بأن أعداد النباشين في مكبات النفايات بدأ يتزايد لاسيما بعد نزوح أعداد كثيرة من مدن أخرى إلى الكوت مركز محافظة واسط، إثر أحداث العنف الطائفي وقدر عددهم بأكثر من 75 نباشاً يعملون في تلك المكبات التي هي بؤرة للأوبئة والأمراض كونها تضم مخلفات سامة أحيانا، إضافة إلى انبعاث الغازات نتيجة حرق النفايات، مؤكدا انه تم منع تلك الأسر من العمل حفاظا على سلامتها من الأمراض المنتشرة لكنهم يصرون على العمل ويعتبرونها مصدر رزقهم الوحيد.المسؤول أشار إلى أن المنطقة تبعد 15 كم شمال شرقي الكوت واغلب العوائل تصل إليها من مناطق بعيدة منذ ساعات الصباح الأولى .وباتت عملية البحث في النفايات الطريق الأمثل للحياة وبالأخص بالنسبة للأحداث والأطفال الذين لم تترك لهم الظروف الخيارات المناسبة، فإما الانحراف الذي يبدأ بالتسول و السرقة أو الموت جوعا.وتعد مناطق العشوائيات (الأحياء التي ظهرت بعد تصاعد أعمال العنف الطائفي) المركز الرئيس لليد العاملة في هذه المهنة، إذ أن اغلب سكانها يعيشون تحت خط الفقر ومازالت بيوتهم تشيد من الطين والتنك والصفيح، إضافة إلى انعدام الخدمات الصحية والتربوية ما أسهم في انتشار الأمراض.
نساء في الكوت يأكلن من قمامة الأغنياء
نشر في: 7 مارس, 2012: 07:40 م