TOP

جريدة المدى > سينما > أحلام وهمسات..خرافة غريبة تدور أحداثها في برتغال القرن التاسع عشر

أحلام وهمسات..خرافة غريبة تدور أحداثها في برتغال القرن التاسع عشر

نشر في: 7 مارس, 2012: 07:44 م

ترجمة: عباس المفرجي هذا الفيلم هو آخر عمل مكتمل للمخرج الشيلي المتميّز والخصب راوول رويز ، الذي توفي في آب العام الماضي عن عمر السبعين . كان المقصود ، في الأصل ، أن يكون الفيلم مسلسلة تلفزيونية قصيرة ، فتمّت صياغته على هيئة حلم طويل في جزأين ، مدته أكثر من أربع ساعات ونصف . " غوامض لشبونة "
، فيلم غريب على نحو قوي وآسر ، ميلودراما معقدة عن السرّية ، القدر والذاكرة ، التي يظهر فيها كل أبطالها في حالة من التنويم المغناطيسي وعلى حافة الدخول في عالم ماغريتي [ نسبة إلى الرسام ماغريت ] بديل . كلمة "غوامض" هي بالضبط ملائمة .نقل كاتب سيناريو رويز ، كارلوس سابوغا ، الفيلم عن رواية " ميستريوس لسباو " ( 1854 ) ، لمؤلفها البرتغالي كاميلو كاستللو برانكو ، التي تدور أحداثها في منعطف القرن التاسع عشر . قصة برانكو حكاية مغلفة بالمصادفات ، النسب الارستقراطي المخفي ، التراث المدهش ، الهوى ، الهوس الجنسي وقتال المبارزات . إنها أقرب إلى شيء من هيغو أو ديكنز ؛ واحدة من الشخصيات المذهلة يقارن وضعه أيضا برواية لآن رادكليف . مع ذلك ، الأسلوب المميز في صنع فيلم رويز مختلف تماما عن الطريقة الرشيقة ، التقليدية لدراما العصور القديمة الانكلو- هوليوودية. إنه شكل يكون الوجود فيه معطل على نحو عديم الوزن تقريبا في الذاكرة ــ لا يمكنني التفكير بصانع فيلم وجد أسلوبا يقارب ، على نحو مثير جدا ، صيغة الفعل الماضي من (( قال )) ، (( ذهبت )) الى آخره ــ و " غوامض لشبونة "يستحق المقارنة مع عمل رويز البارع ، في عام 1999، المقتبس عن بروست، " الزمن المستعاد".تعيش الشخصيات حياتها في عالم يتمايل، على نحو غير متلاحم، بين الحلم واليقظة، أو مثل شخصيات من مسرح دمى بُعِثت فيها الحياة بمعجزة، مع تكلّف هو في الغالب غريب وعجيب، لكنه ظاهر في محتوى مميّز، حيث يتحوّل المضحك والساخر، بطريقة ما ، إلى شيء آخر : شيء يعبّر عن الشقاء والبؤس المطلق لحيوات الشخصيات، عن الاهتياج والتلوّي في الإشراك الوجودية التي نصبها لها أسلافها.في محور القصة بدرو دي سيلفا ، شاب يتيم في لشبونة ، يؤدي دوره صبيا، خواو لويس ارّايس ، ودوره كشاب ، افونسو بيمنتال . يتربى هذا الفتى في كَنَف مدير الميتم ، وهو كاهن داهية ، ذو قسوة ملغزة وحكمة كتومة ، أدى دوره بشكل مدهش ادريانو لوز . يكشف الأب دينيس لبدرو ، شيئا فشيئا ، قصة أصوله غير الاعتيادية . ويتاح للفتى التعرّف على أمه آنجيلا ( ماريا خواو باستوس ) ، وقصة زواجها التعس من الرجل الهائج وغير المخلص ، كونت سانتا باربارا (البانو خيرونيمو) ، وقصة التاجر العنيف سيئ السمعة البرتو ماغالايس (ريكاردو بيريرا)، الذي يدافع عن شرفها . في النصف الأول من الفيلم ، يبوح الأب دينيس أكثر عن سيرة حياته التي تصدّرت دخوله سلك الكهنوت : سيد في الخداع ، فاجر ، جندي ، رجل يرتاد الأوساط الاجتماعية الراقية ، ومثل بدرو ، طفل مهجور .حتى وصف العمل بـ (( الشبيه بالحلم )) هو غير ملائم تماما : يبقي رويز على التوكيدات الطبيعية للجو العام ، على التوجيه المعتاد في ما يتعلق بالكيفية التي ينبغي بها أن نحس بكل شيء يتحرك عبْر الشاشة. هو ومصوره اندريه زانكووسكي يستنبطان ، على نحو مدهش ، أوضاعا غير مألوفة للكاميرا ، وتكنيكهما الفائق الأكثر وضوحا للعيان تجلى ببساطة في النزوع إلى استخدام الكثير من لقطات الكلوز- آب . هناك بعض الشخصيات التي تشاهَد في لقطات بعيدة ، تقريبا كل الوقت : نحن لا نعرف بالضبط ماذا يشبهون.في واحدة من اللحظات المتميّزة في بداية الفيلم ، يصغي بدرو إلى حديث طفل يسير بجانبه ــ ترافقهما الكاميرا ، من اليمين إلى اليسار ــ ثم يومئ الصبي بصوت خال من التعبير الى رجل يعرّفه بأنه أباه ، الذي كان في تلك اللحظة يعلق على المشنقة في ساحة عامة ، أمام جمهرة لا مبالية من الناس . هل ينبغي أن نحسّ بالانشداه؟ بالرعب ؟ بالشفقة ؟ أو هل هذا هو ببساطة جزء آخر من اللغز المتشابك ، المبهم والناقص ، الذي يعبّر عن حياة الشاب المسكين بدرو ؟ثمة العديد من اللمسات الغريبة في الفيلم . يُلمَح عراك صاخب في الشارع بشكل غير كامل ، من خلف عربة الأب دينيس ، حيث يظهر القس نفسه بصورة جانبية، محدقا على نحو يقظ إلى الأمام مباشرة . لدى رويز الكثير من "حزمة " مشاهد ، فيها النبلاء ذوي الشعور المستعارة ومساحيق الوجه يثرثرون وينهمكون في النميمة ويكيدون : إنها مصدر لدراما عهد ، لكن أشياء غريبة تحدث هنا . في واحدة من اللقطات المتتابعة ، سيدة تشهق فيغمى عليها ساقطة على الأرض، حدث يحث على صمت مضطرب بين أي جمع آخر من الناس ، لكن هنا ، الناس المحيطون بها يضحكون بانسجام غريب وفجائية وكأنما على مزحة ما . في مشهد آخر ، تنسلّ الشخصيات ، المصوَّرة من لقطة عالية مائلة ، بنعومة واضحة وعلى نحو مضحك ، كما لو أنهم يسيرون على مزلجة ، أو يشبهون حقا شخصيات مقتطعة من مسرح دمى بدرو .يمكن أن يكون لرويز شيئا من العلاقة الهجائية مع أدواته ، بحيث إنه أخذ تعقيدها المناف للعقل وبنى منها لحظات تأمل في عشوائية القدر والعجز عن معرفة الماضي . أو ربما أنه فقط وجد فيها قاعدة مثالية لعرض بهيّ ، سا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram