صفاء خلف الكتابة أنثى، الحضارة أنثى، والغناء أنثى، والماء أنثى، حتى الموت أنثى، والفحولة: لهجة صحراء، وقلت: (لأني آخر الرجال الشرقيين/ تحترق فيَّ أنثى/ اخترت ألا أكون دماً للخيانة". مجتمعاتنا متغضنة لا روح لها، فما من نساء تتجمل لتزدهي بها المدن، فمذ كنا وكُنَّ، ونحن نطمر أنوثتهن وراء الجلابيب، حتى صارت البشاعة ممهورة بنا، فمن يُلطف القبح غير لمسة أنوية، فمجتمع الذكورة أنتج لغة "خشنة" حتى باتت الأنوثة
"عارا اجتماعيا" بغيضا، يُغسل بالدم، وكأن هذا الجسد الباذخ ليس سوى وعاء تفريغ لهمجية الفحولة، لا صورةً شاسعة للكون، فاللذة ليست جسدا، إنما حشد الماء والفراشات والعطر في القوام المتغنج وهو يرسم خيطاً من النار إلى الأمل.لم تكن العرب تأتمن سرها النساء، لكن تأمنها الرغبة. فالمتخيل العربي لم يكن يداري شهوته وراء الحيطان في ظل انفتاح صحراوي شاسع. وعندهم إن للمرأة لعنة لا يستقيم معها ظفر ولا هيبة، فالدين البدوي أعطاهم منعة الرجولة "المقدسة" ضد الأنوثة المارقة، في الزواجات الأربعة لإشباع همجية الجنس.و لا تبين عصمة الرجولة إلا في ستر الدنس الأنثوي، ولعل ما يحوّل الاعتقال التاريخي للأنثى العربية إلى نكتة بشعة، أنهم حين تمكن منهم التمدن وغلب الأتكيت على الجفوة، صاروا إلى إخصاء رجالات أشد جلداً منهم ليكونوا خداماً لبغاياهم "العفيفات المصونات"!!.والسؤال المشرع كجرح أنثى، هل يلغي الإخصاء الرجولة؟، أتحدد الرجولة بالذكورة؟، و يصير ذكر الرجل بأخصائه قطعة لحم زائدة لها مهمة تفريغية ليس إلا؟!فالجسد الرجولي من يشعل خيال النساء الجنسي، من يثوّر تلك الرغبة المدونة خلف ستارة من براقع و حجابات، فهم يسروا عليهن المخادع و المضاجع، وأحلوا لهن المساحقة الذكورية، و أعطوا الضوء الأخضر للمخيلة أن تتحول لمهرجان جسد ملون.فما صانت العرب شرفها، إلا بكثيرٍ من الاستمناء السري حضارياً وتاريخياً ، فصارت الحاضنة مشبعة بالهوام الجنسي بدل إشباعها بالعفاف الشرقي البدوي. المروق الأنثوي كان المشتهى، وسبيل الرياسة، فإن كنت صاحب الحظوة الأولى، فلأنك شريف مخدع، وغير هذا، فَعلّية القوم لا تغمض له عين إلا في أحضان جواريهم الحسان.و لما كان للأنوثة قوتها في شرخ "الرجولة العربية" ، عصبوا أجسادهن بالسواد واستباحوا رغبتهم سرا، فكل النساء العربيات مغتصبات بامتياز، فما صورة الاستباحة إن لم تكن زواجا وراء حجاب.عدائية متواترة، مختزنة، مفخخة بالنص المقدس والاجتهادات ، تتمرحل وفقاً لانتكاسات الذكورة في حروبها وصراعها، تستعرض قوتها المغلولة على الأنوثة في تعبير عن عقدة عار متلازمة خلفت مواطن تلف تاريخية لم تهدأ منذ الوأد حتى غسل العار بسكين مطبخ.ولأن الدم، أرخص منتج عربي بماركة مسجلة عالمياً، فهو يعالج الفشل بالقسوة، وكأن من هدم صورة الفارس العربي المنتصر دوماً بالضرورة الإلهية، لا يجملها سوى دم البكارة والأعناق المحلاة بالياسمين.وتنأى الذكورة العربية بنفسها دوما، عن ارتكاب الخطيئة، و أن النساء هن من يجبرنهم عليها ، فالعرب لا تستطيع الفكاك من عقدة "الشرف" التي أحالت حياتهم الجنسية إلى مغامرة سرية ماجنة، فكان الجنس فروسية النبل العربي في ترهيب الأنوثة العربية المغتصبة.وبرهانا، ما جاء في سورة يوسف في القرآن، حيت راودت امرأة العزيز "يوسف" للقاء جنسي عابر، فرفض، فكان ذلك منطلقا مهمّا في أن تحبس الذكورة أنفاسها خشية أن تدنس "هيبتها" على يد امرأة، لم تخلق إلا لإشباع أنا الشهوة.ما يعيب حقا، أن النظرة الدونية للمرأة رغم التاريخ المدني للعالم ما زالت تتربع في العقول، حتى التطرف بات سمة بائنة،فتطبيق الشريعة حين يراد له أن ينتشر كالنار في الهشيم، لا يجد أرضا خصبة، غير المرأة، رصاصة في الرأس، تطبق الخناق على المجتمع، سوط المحتسب على جسد رائق شفيف، تصفع العقل وتقيده وتحيله إلى مجرد رأس في قطيع، فرض الجلباب والبرقع، فمفهوم الشرف لا يخرج عن الفهم المأسور للجسد. وكأن جمالية المرأة "عورة" لا تستقيم معها ثقة.ومن المعيب أيضا، أن الثقافة العربية، تتعارك على منطقة السطوة، والضحية أنثى، فإما أن تتجلبب وتقتل أحاسيسها، أو تتعرى على الشاشات وتصير سلعة مستهلكة قابلة للعرض والطلب، لا أجد فهماً حقيقياً لحرية المرأة، تلك الحرية المطلقة المرهونة بالوعي الحقيقي لذاتها، لا ذلك الوعي المصبوب والمنتج من قبل الرجل، فالمرأة لها الحق الكامل في أن تنتج خطابها طبقا لحاجاتها ومتطلباتها، لا يمكن لنا أن نحدد لها حدوداً للفهم أو للحرية، فالحرية بالنهاية هي صرخة أنثى.
بمناسبة يوم المرأة العالمي ..أحمر شفاه!
نشر في: 7 مارس, 2012: 07:52 م