سلام خياط من يقدر له عبور جسر ببغداد يوصل رصافتها بكرخها ، أو يقيض له أن يسير الهوينا بمحاذاة دجلة الخير، سيمتلئ قلبه قيـحا مما آل إليه حال النهر ، فجرفه مهجور ومهمل ، وللنفايات على ضفتيه مقام ومرتع . والماء في حوضه شحيح ، يحاكي ماء ترعة مغمورة بالأشنات .هذا كله في موسم نزول الأمطار ، فماذا سيكون عليه الحال إن حلً موسم الصيهود ؟؟
الدول لا تبنى بالتمني ، ولا بالخطب التي فقدت مضامينها ، ولا بالشعارات الفضفاضة والوعود الخلًب، ولا باللافتات البراقة المحشورة بالصور،، العامرة بالأخطاء النحوية والإملائية ونحن في بلد سيبويه . الدول ذات السيادة لا تتراخى عن مضامين السيادة ، وأولها : الحفاظ على الحقوق والقوانين التي أقرتها منظمات المجتمع الدولي - الحقوق المائية - في قائمة الأولويات.من المسوؤل عن إهمال شريان الحياة الدافق بعد سنوات تسع عجاف وتركه ترعة تستدر الحزن ؟ من ينبذ الحزازات والمماحكات وتبادل التهم والكيد ورد الكيد ، من يترك حلبات المصارعة والملاكمات السياسية لمن لا يملكون غير عضلاتهم دون قطاف العقول ؟ من يستهين بالغنائم السائبة ويتقي الله في الأمانة ، ويلتفت لهذا المغدور ، يرعاه ويحمي ضفافه ، ويعيد هيبته المسلوبة من دول الجوار ... يستعيده نهرا كل قطرة من مائه تعادل ماء العيون.غور دجلة والاستهانة بوجوده ، وبما يتمخض عنه من عطش بلد وشعب .. يذكرني بفيلم قصير جدا فاز بجائزة دولية كبرى لمضمونه الإنساني البليغ:المنظر : رحبة قفر ، إلا من شجيرات عجفاء، جمهرة من الناس يبدو عليهم البؤس والضنك ، ثيابهم مهلهلة ، عيونهم زائغة ، يقفون أسرابا ، ينتظرون دورهم للاستقاء من صنبور وحيد يتدلى من خزان ضخم محمول على ناقلة ، وفرتها لهم إحدى المنظمات الإنسانية ، يتزاحم اثنان على أولوية ملء الجرة . يتصارعان . أوانيهم فارغة ، والحنفية تذرف ماءها المتدفق سدى. . يتطور الشجار بالألسن إلى عراك بالأيدي ، تتبعها ركلات بالأرجل . الجمهور العطشان الذي جاء يستقي الماء ، انقسم . هذا يشجع هذا ، وذاك يشجع ذاك ، الكل مشغول بنتيجة ما سيسفر عنه الشجار. غافل تماما عن أوانيه الفارغة التي جاء بها ليتزود بالماء ، الكاميرا ما تني تتنقل بين المتصارعين والجمهور والصنبور الذي ظل يذرف ماءه على الأرض ! وحين ينتبه أحدهم أن الخزان قد نفد ماؤه ، وتوقف جريان الماء في الصنبور.. يجيء وقت الندم .. يعود الجمهور الذي جاء يستقي ، خائبا ، خالية جرارهم ، فلا هم أصابوا منالهم . ولا هم انتبهوا أن الماء في الخزان ، كان سيكفي الجميع ، ويرد عنهم غائلة الموت من العطش..أقارن .. وأصب اللعنة على من يفرط بجرعة ماء عذب.
السطور الأخيرة: ألهاكم التكاثر
نشر في: 7 مارس, 2012: 09:01 م