وديع غزواناللقاء بالناس في الأماكن العامة يفتح أمام الصحفي الكثير من الأبواب لمواضيع ساخنة في ظل الحريات النسبية التي كسرت حاجز الخوف وجعلتهم يتحدثون بحرية عن عدد غير قليل من معاناتهم . وشخصياً أجد باستخدام واسطة النقل " الكيا " فرصة للتوقف عند الكثير من الأفكار التي تكون مثار جدل بين المواطنين لاستثمار الوقت المهدور في زحام السيطرات .
يوم أمس احتدم النقاش واستمر من ساحة عدن و لم يتوقف حتى جسر السنك بشأن تجارب الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق وصولاً لما نحن عليه الآن ، ومعاناة الشعب المريرة التي يبدو أنها لن تنتهي في ظل " تلبس " النخب السياسية شيطان السلطة وغواياتها وعدها وسيلة للمنافع وليس للخدمة . وبغض النظر عن صحة وخطأ كثير من الأفكار والآراء التي طرحت ببساطة فإن ما استوقفني كلمات رجل قال إن عمره تجاوز السبعين عندما قال موجهاً كلامه للجميع :انظروا للكرد في كردستان وكيف نجحوا في إنجاز الكثير من المشاريع خاصة في مجال الكهرباء . وأضاف إن وزارة كهرباء الإقليم أعلنت عن توفير هذه الطاقة لمدة تتجاوز الـ 18ساعة في اليوم ويأملون تطويرها ثم تساءل أليس الكرد عراقيين مثلنا ؟ ولماذا لا نستفيد من تجربتهم ؟كلمات الرجل كانت مناسبة لبعضنا لاستذكار ما مرت به مدن الإقليم من محن ومصاعب قد تكون أقسى من غيرها من مدن العراق الأخرى ، خاصة أن المنطقة كانت لسنوات طويلة جداً مسرحاً لعمليات عسكرية أجهزت على الكثير مما كان فيها ، وتعرضت لحملات إبادة جماعية وحشية وقاسية ، لكنها تمكنت بفترة وجيزة من بناء تجربة هي محل فخر ليس العراقيين وحدهم بل دول العالم . ما تحقق في كردستان لا يتعلق بجانبه المادي المجرد فحسب ، بل يتعداه إلى بناء الإنسان وهو المهم من خلال جهود استثنائية لترسيخ قيم التسامح والتآخي والعدالة في المجتمع وتشجيع الفرد على التعامل مع ما يشهده العالم من تطورات بشكل إيجابي. لا ندّعي أن كردستان كتجربة تخلو بالكامل من بعض آثار التقاليد والأعراف المتخلفة التي تعيق الكثير من القوانين خاصة في مجال المرأة ، بل أنها لا تخلو من بعض السلبيات أيضا التي لا يتطير المسؤولون من الاعتراف بها ، لكن إذا أمعنا النظر بطبيعة المجتمع الكردي والظروف القاسية التي مرت بالإقليم ، نجد أن ما تحقق ليس بالقليل ولا الهيّن ، ونتوقع أن حركة التجديد في هيكلية الأحزاب بما فيها الحزبان الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستانيان والانفتاح على الشباب بشكل واسع ، كفيل بإعطاء جرعات أكبر تسرّع عملية التطور والنمو من الناحيتين البشرية والمادية . وما يزيد من وتيرة الأمل أن كرد المهجر في عدد من دول أووربا بدأوا رحلة العودة لخدمة مدنهم وهو دليل صحة للتجربة وتأكيد لوجود ما يغري اقتصادياً وأمنياً لبدء البعض بهجرة عكسية بعد أن تيقنوا من توفر فرص العيش الكريم وهو ما نحتاج إلى أن يفعله المسؤولون في بغداد وبقية محافظات العراق الأخرى .
كردستانيات: انظروا إلى كردستان
نشر في: 7 مارس, 2012: 09:23 م