TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: بؤس المثقف المطلبيّ

تلويحة المدى: بؤس المثقف المطلبيّ

نشر في: 9 مارس, 2012: 07:37 م

 شاكر لعيبييستطيع المتابع أن يفهم لماذا يطالب المواطن في العالم العربي من الدولة بأن توفر له كل شيء تقريباً، لكن هذا المتابع نفسه لا يستطيع أن يفهم بدقة ماذا يقدّم المواطن للدولة. سنبقى للحظة بعيداً عن الثقافة: الجميع يطالب الدولة بأن توفر حاويات للقمامة، دون أن يُقال لنا من هو الذي يرمي قمامته في عرض الشارع مع توفر الحاويات على مبعدة من حائطه أحياناً؟ أو لا يقول لنا خاصةً لماذا لا يستطيع سكان  الحيّ، في غياب الدولة، أن يقوموا هم أنفسهم بتنظيم أنفسهم بطريقة ما وإزالة قمامتهم أو جمعها بشكل صحي حفاظاً على أنفسهم وعوائلهم.
النزعة المطلبية سائدة وحدها على نطاق واسع وفي المقام الرئيسي. يمكن التأكد من ذلك في مقدمات أكثر من برنامج تلفزيوني عراقي وعربي: نريد، نطالب، محتاجون، أيتام، في بطالة، الرواتب، السكن، غلاء المعيشة، الجريمة...(ليش، مو هذا العراق العظيم؟، كما يجيء بصوت مُطالِب عراقي)...الخ. كله صحيح ومشروع حيث على الدولة، في لحظة من تطورها، أن تؤدي بوضوح وصرامة واجباتها. لكن لا أحد، أو إلا القليل النادر، يشير إلى مسؤوليته الواجبة ومساهمته الواضحة في فعاليات المجتمع المدني، في "العراق العظيم". مسؤوليته غائبة ومساهمته مُعمَّاة، كأنها حادثة في حين أنها لم تحدث. من السهل، بل في غاية السهولة، رمي اللوم على شبح الدولة فقط ونفي المسؤولية عن ذواتنا. هذه النزعة مستشرية.في الثقافة أيضاً يطلب مجتمع المثقفين العرب والعراقيين من الدولة حصرياً القيام بمساندتهم ماديا ومعنوياً والحفاظ على الموروث الثقافي، مبعدين أي فعل فاعل مسؤول عن أنفسهم. الأمثلة كثيرة من العراق: تداعى جمْعٌ من العرب والعراقيين إلى التنبيه النبيل إلى المآل المأساوي الذي آل إليه بيت الراحل جبرا إبراهيم جبرا بتفجير استهدف إحدى القنصليات التي كانت بجواره. في شارع الأميرات في الكرخ. انتهى الأمر بالكثير من الأسى والحسرات. بعدها تداعى آخرون إلى التذكير بالمآل الذي يمكن أن يصير إليه بيت الشاعر محمد مهدي الجواهري ومنع هدمه. فكُتبت المقالات ووُقعت البيانات، وهذه المرة استجابت الدولة، لحسن الحظ، واشترته، ولولاها لانتهينا إلى كتاب العبرات والتأوهات عينه.اليوم يعرب، حسب الخبر المنشور حرفياً، الفنانون التشكيليون العراقيون "عن حزنهم لما ستؤول إليه لوحة كبيرة للفنان التشكيلي الرائد ناظم رمزي موجودة على جدار بناية كانت في السابق مستشفى، حيث هي الآن تتعرض للهدم والاندثار لأن بناية المستشفى أصبحت مهجورة بعد أن تركها أصحابها لأسباب غير معلومة".الحسرات والبيانات لا تكفي من دون انخراط إيجابي من طرف أشخاص المثقفين وعمل منظماتهم، ضمن نشاط يتحرّك بقوة على هامش الدولة بل بعيداً عنها، وبوسائل خلاقة، متخيَّلة إذا لزم الأمر. بدلاً من الحزن ألا يمكن القيام بشيء آخر كأن يتفقوا بإمكاناتهم الخاصة، عبر جمعية بينهم مثلاً، على شراء بيت الجواهري، وفي أضعف الإيمان على اقتطاع جدارية رمزي وحدها من الحائط والاحتفاظ بها.بعد ذلك، وعند فشل ذلك كله، ما هو دور "منظمات المجتمع المدني" الكثيرة في البلد التي يُفترض أنها تشتغل بعيداً عن الدولة أو في موازاة لها؟ حسب معلوماتي يبلغ عدد مؤسسات المجتمع المدني في العراق 8200 نقابة وهيئة وجمعية. وحسب معلوماتي أيضاً فإن 40 بالمئة منها تمارس أنواعاً متعددة من النصب والاحتيال في سياق عام يسمح بذلك، لكن في سياق بديهي من عدم الشعور بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع والثقافة.إن السهولة في رمي اللوم على الدولة يصير في العالم العربي والعراق رديفاً لنزع اللوم عن الذات الشخصية وتأجيل مسؤولياتها، وبالتالي الدفع باتجاه أن تعمل حتى منظمات المجتمع المدني بالأسلوب الذي تنتقد الدولة فيه. إلا يمكن لمنظمات المجتمع المدني هذه أن تنتزع وتشتري ببعض الأموال الكثيرة التي تُمنح لها جدارية ناظم رمزي، وتضعها في متحف ما، إذا كانت بالفعل تعتقد أن لها قيمة رمزية وتاريخية ووطنية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram