ناجح المعموريمازال كتاب " ادوارد سعيد مفارقة الهوية " يثير جدلاً واهتماماً في الأوساط الثقافية والفنية كذلك بين القراء والمثقفين وسبب هذا الاهتمام متأت من بريق اسم المفكر ادورد سعيد ومركزه في الثقافة والمعرفة الإنسانيتين أولا واجتهادات بيل اشكروفت وما تمتع به من ذكاء في قراءة ودراسة ادوارد سعيد لأن المؤلف منشغل بادوارد سعيد ومتابع له ثانياً.
وما ساهم أيضاً بتميز هذا الكتاب هو خبرة الشاعر سهيل نجم في مجال الترجمة وانحيازه الثقافي والمعرفي لكل ما هو جديد بالإضافة الى اهتمامات المراجع د. حيدر سعيد ودقته في توصيفات المصطلح وتحديد مفاهيمه الإجرائية واتساع خبرته وعنايته بالحداثة ومستجدات المعرفة الإنسانية.وفعلاً، أثار كتاب بيل اشكروفت اهتمامي بادوارد سعيد وحفزه أكثر، لأن المؤلف قد تمكن من تقديم كتاب آخر له صلة غير مباشرة بادوارد سعيد ولكنه متجاور معه وهو ـ سعيد ـ الذي ساهم ببلورة ما يسمى بـ "ما بعد الكولونيالية" وترجم الى العربية بطبعتين.تضمن كتاب "ادوارد سعيد مفارقة الهوية" عدداً من الفصول القصيرة، لكنها مفعلة للمتلقي ومثيرة له تماماً ومنها الدنيوية / النص.. والدنيوية / الناقد / الإستشراق، والثقافة بوصفها امبريالية / وفلسطين، الفقدان والتفويض.إن "الدنيوية / النص" يقدم كشفاً عن انشغالات ادوارد سعيد الثقافية بعد نشر كتابه المعروف الاستشراق، حيث اهتم سعيد بالمثقف ومجالاته الاجتماعية / السياسية / الثقافية لأنه ـ سعيد ـ وضع المثقف في مكانة متعالية وأكثر بروزاً وفاعلية وهو يعتقد بأن للمثقف مركزاً حيوياً من خلال دوره الثقافي / النقدي وكان لكتابه "العالم والنص والناقد" فضل تكريس شخصية سعيد، على الرغم من الأهمية البالغة التي تميز بها كتابه الإستشراق لأن "العالم والنص والناقد" يقدم آلية قرائية لقراءة سعيد ودعم المتلقي للدخول الى أعماله العديدة. كما أن كتابه النقدي يمثل عتبة جديدة بالنسبة لادوارد سعيد، حيث مازال يمثل "المفتاح لأهميته للنظرية الثقافية المعاصرة".ولا يمكن لأية قراءة للمنجز الثقافي الخاص بسعيد أن يتجاهل دوره البارز في تأسيس نظرية الخطاب الكولونيالي الذي تم التعامل معه باعتباره شكلاً من أشكال التعبير النظري. وأشار اشكروفت الى خطأ التعامل مع الخطاب الكولونيالي بوصفه مرادفاً لـ " ما بعد الكولنيالية ". ولا تستطيع القراءة، أية قراءة، تجاهل انشغال سعيد بنظام الخطاب وهيمنة سلطة القوة الفوكوية في كل اهتمامات سعيد الثقافية والفكرية وكان لذلك تأثير واضح ومتجاور أيضاً مع تأثيرات المفكر فيكو الذي حذر من أن " التاريخ البشري يصنعه البشر " ولكن اهتمامات سعيد بهذا المفكر الإيطالي 1668- 1744 جعلته عرضة لانتقادات معروفة بسبب توظيفاته لنظرية فوكو بشكل مبتور. كما انشغل كثيراً بغرامشي / وفرانز فانون وكان لهما تأثير واضح أفصح عنه سعيد. لكننا لابد من الإشارة الى العلاقة الفكرية الثنائية بين سعيد /وفوكو الذي مارس عبر نظام الخطاب وسلطة المعرفة تأثيراً كبيرا على ادوارد سعيد واتضح ذلك في الأقل في كتابيه / الاستشراق / والثقافة والإمبريالية. ولكن سعيد قد أعاد للعلاقة تلك موازنتها ونبه الى ذلك المفكر إعجاز أحمد في كتابه ما بعد الإستشراق كما نبه الى تراجعات سعيد المعروفة وعلاقته مع نيتشة وخصوصا نظام التمثيلات الذي انشغل به سعيد كثيراً في الإستشراق والثقافة والإمبريالية ووجد بان كل تمثيلات الغرب عن الشرق هي سيئة. وقد تراجع قليلاً عن هذا الرأي النيتشوي ولم يشدد على ما كان منشغلاً به من أن التمثيلات كلها تؤدي الى سوء تمثيل كما أوضح سعيد لاحقاً ـ وهذا ما قاله المفكر أعجاز أحمد ـ عن مكان خلخلة الخطاب الكولونيالي من الخارج، وهو بذلك يتراجع قليلاً ولكن تراجعه مهم وملفت للانتباه وينطوي على فكفكة المفهوم الماركسي المرتبط بدور الاقتصاد في تفعيل الوعي وتحريك الطاقة الكامنة لدى المواطن.وقدم بيل اشكروفت تركيزاً، لا بل اختصاراً لمفهوم الخطاب ونظرية الخطاب الكولونيالي من البيانات بواسطته ومن داخله أن يعرف العالم. إن فكرة فوكو عن الخطاب هي مساحة من المعرفة الاجتماعية محددة عن نحو شديد من دون أن يشير الى "الكلام" في معناه التقليدي، فبالنسبة اليه العالم ليس "موجوداً" ببساطة للتحدث عنه، بل بالأحرى أنه خطاب يمكن للعالم أن يوجد بواسطته. وفي مثل هذا الخطاب يتوصل المتكلمون والمستمعون، الكتاب والقراء، الى فهم أنفسهم وعلاقاتهم بعضهم مع بعض وموقعهم في العالم. أنه تلك العقدة من العلاقات والممارسات التي تنشئ الوجود الاجتماعي والنتاج الاجتماعي والتي تقرر كيف تتحدد شروط التجارب والهويات / ص25.أما " دنيوية الناقد " فقد اقترح ادوارد سعيد نوعا من العلاقة بين المثقف ودنيويته، ولا بد له من أن يكون أكثر ارتباطاً بالواقع وما يجري فيه ولما يفضي نحو تحولات وتغييرات جوهرية، ولذا أقلقت سعيد وظيفة الناقد، لا بل حتى المثقف منذ لحظة صدور كتابه العالم والنص والناقد الى "صورة " المثقف،و قال اشكروفت أن قدرة المثقف في ان يقول أي شيء ينتمي الى مجتمعه أو مجتمعها لا يمكن أن تغنيه عن مفهوم الدنيوية، إذ دون
ادوارد سعيدمفارقة الهوية
نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 04:31 م