اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > ادوارد سعيد والعيش في حياتين

ادوارد سعيد والعيش في حياتين

نشر في: 9 أكتوبر, 2009: 04:35 م

حاتم الصكر يهدي محمود درويش قصيدته الأخيرة (طباق) "إلى إدوارد سعيد" ويتمثل فيها صوته في حوار يديره الشاعر الذي لا يشترك مع سعيد في الجذور فحسب، بل في حالة النفي التي عاشها بعد خروجه من فلسطين.. وفي مقاطع من هذه القصيدة يشخّص درويش إشكالية وجود سعيد وما أسماه دارسوه (مفارقة الهوية) والانشطار بين مكانين يرتّب
ـ ويتطلّب ـ كل منهما وعياً مختلفاً إن لم يكن مضاداً في بعض مفرداته وعناوينه .. لا سيما وأن المكانين يحف بهما تقابل عدائي يسبّب الانشطار.أدوارد سعيد في القصيدة يجيب في حوار افتراضي مستعاد وسؤال عن (أناه) : - أنا من هناك أنا من هنا ولستُ هناك ولست هنا لي اسمان يلتقيان ويفترقان ولي لغتان نسيتُ بأيهما كنتُ أحلم وستكون هذه الأبيات التي تلامس سطح سعيد وعمقه في آن ـ أعني جذره ومنفاه ـ مدخلاً لقراءة كتاب عن سعيد صدر عام 1999م بعنوان (مفارقة الهويّة) مشفوعاً باسم: ادوارد سعيد، لمؤلفين غربيّين قادمين من الحقل الأكاديمي ، ثم أعيد طبعه عام 2000م بعنوان : (إدوارد سعيد) ، فقط، وكأن أطروحة (مفارقة الهوية ـ the pardaox of idendity) كعنوان فرعي لم تعد لازمة، رغم أن الشاعر العراقي سهيل نجم مترجم الكتاب إلى العربية (ارتأى) تثبيت عنوان الطبعة الأولى، ربما إحساساً منه ببلاغته وإيجازه لمشكلة سعيد الفكرية.. إن وعي سعيد كمثقف وناقد بانشطار أناه مكانياً : (هناك وهنا) تستلزم في قراءة درويش نفي وجوده في المكانين معاً (لست هناك ولست هنا) ويتبعها وجود (اسمين لـه) في حالة لقاء وفراق، ويستكملها وجود (لفتين لـه) يختلطان في حلمه.. لغة وطنه ولغة منفاه.. هذا الترميز الفائق لإشكالية سعيد بسبب شعرية القصيدة، نجح في تلخيص إشكاليته الفكرية، ووجوده  الحياتي معاً, ووعيه بالضرورة.فالشهرة التي نالها ادوارد سعيد كمنظّر لمرحلة ما بعد الكولونيالية مرتبطة في الغرب بـ(مفارقة الهوية) ومستمدة منها, في مسكوت عنه لديهم، يحكي عن قدرته في التأثير على دراسات الاستشراق, وفضحه للخطاب الكامن وراءها, كما جسّده كتابه(الإستشراق 1978) حيث كان تمثيل الشرق في تلك الدراسات على انه مجرد انتماء ديني وقومي مغاير  (عربي-مسلم).هنا كانت التفاتة سعيد المهمة, فهو يتحدث عن علاقات ثقافية وسياسية, يريد الاستشراق، لكونه (خطاباً) حسب المفهوم الفوكوي الذي تبنّاه سعيد, أن يلخّصه في(صورة نمطية) تشيع وتترسخ ليسهل من بعد رفضها, وتبرير كراهيتها..لقد صار النظر إلى الاستشراق كله بعد كتاب سعيد على  أنه(مصطلح شامل حول الأسلوب الذي تعامل فيه الثقافات الأخرى وتُصَور) طبعاً بعد تسليط قوة الخطاب عليها،أو كيفية عمل السلطة في المعرفة، أي إجراءات معرفة الشرق بالغرب التي(كانت سبيلاً لمد السلطة عليه).. وهكذا أصبح(الشرق)نصاً, و(الغرب) سلطة،  والاستشراق (معرفة) تتخذ وسيلة للهيمنة عبر الخطاب الاستشراقي المسلّط على بنية الشرق النصية.هل كانت شهرة سعيد إذاً من هذا الكشف المعرفي لحقيقة الاستشراق وطرق تمثيله للشرق أو من انشطار هويته ووجوده ولسانه؟- مما يلحّ عليه مؤلفا كتاب- مفارقة الهوية- ويجدان له تجليّات ومظاهر يعدّان منها:صراعاته مع شتاته- إدراكه للمنفى الحتمي الممكن- الربط بين النص و العالم –تناقضات شخصيته المغربنه وعلاقاته بوطنه- صوته السياسي وواقعه المهني- عروبته ومسيحيته- فلسطينيته كجذر وأمريكيّته كواقع- وبآختصار بليغ( العيش في حياتين) كأثر من آثار سؤال أو اسئلة(الهوية الملحّة).وبعض من ذلك التناقض تحكيه قصيدة درويش:( هنا وهناك -إسمان –لغتان) وتتطور الاشكالية في القصيدة لتصبح (تعدداً) وانتماءً متفوقاً( لسؤال الضحية) الذي يظل أكثر جوهريةً:-  أنا المتعدد في داخل درويش المتجدَدلكنني أنتمي لسؤال الضحية ولكن: أي العالمين سيختار؟ فقصيدة درويش تسائل سعيد:- منفىً هو العالم الخارجي ومنفى ً هو العالم الداخلي فمن أنت بينهما ؟ يجيب سعيد : أنا ما أنا .. أنا آثنان في واحدٍ هذا التقابل العدائي : إما .. وإما، داخل أو خارج،  ينمّيه في وعي سعيد النقد الذي قوبل به كمفكر وناقد وأكاديمي . وفي هذا الكتاب آستعراض شامل واستقصاء دقيق لردود منتقدي سعيد الذين لم يكتفوا بقراءته قراءة اسقاطية مشوّهة وغير موضوعية غالباً ، بل مختزلة ومشكّكة في إجراءاته التفكيكّية لمفاهيم الخطاب والسلطة والمعرفة، كما تعقّبوا وقائع سيرته التي دوّنها في كتابه السيري (خارج المكان)، وأورد الناقد فخري صالح طرفاً منها ، وردّ عليه في كتابه دفاعاً عن أدوارد سعيد، والحجاج الذي دوّنه فيه حول وثائقية السيرة  السعيدية، وتهافت التشكيك بجزئياتها، ودوافعه غير الثقافية. فسعيد ليس مجرد مدافع عن شرق مذاب في دراسات الاستشراق كما تريد ردود ناقديه أن تصوّره.. ولا سياسي يكيّف المنهج لقضية شعبه. إنه مفكر مزعج للخطاب العام في الغرب لكونه كاشفاً للعرقية الكامنة التي يكره منتقدوه أن يروها داخلهم، والتي سمح وجود سعيد  المنشطر أن   يراها في تشكّلها الثقافي ويسميّها ويتعقب مظاهرها تحت المسميات المضللة لها حتى في  الروايات التي حلّلها والأعمال الفنية كالموسيقى  والأو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram