TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :أوقات ورايات

أحاديث شفوية :أوقات ورايات

نشر في: 9 مارس, 2012: 10:49 م

 احمد المهنا الأوقات السيئة هي التي يرى فيها الناس الماضي أفضل من الحاضر. وأسوأ الأوقات هي التي لا يرى فيها للحاضر فضيلة. أما الأسوأ من الأوقات فهو العيش على الماضي والمستقبل دون إحساس بالحاضر. الأولى هينة. لأنها يمكن ان تكون واقعية. فالحاضر اذا كان حربا فان الأمس أفضل لأنه كان سلما. ولكن اذا كانت هذه حقيقة، يقر بها الجميع، فلماذا تنشب الحروب؟ لماذا تذهب الناس اليها؟ ولماذا ستبقى طالما بقي بشر؟
هناك أجوبة. لابد من وجود أجوبة. ولكنها مهما كانت عظيمة فسيأتي وقت تبدو فيها الحرب وأسبابها سخيفة. فهل رضي الناس عن حرب بعد سنوات من وقوعها؟ مع ذلك مازال السلام الشامل بعيدا عن التحقق ومازالت امكانية الحروب قائمة.والحرب ملكة بشرية. الحيوانات لا تعرف الحروب. فهل نلعن الساعة التي تحولنا فيها الى ناس؟ أم نتعلم من الحيوان؟هذا عن الأوقات السيئة. وكل بشرية تعيش فيها، بدرجة أو أخرى، طالما كانت ظروفها قلقة، مضطربة، غير مستقرة، وذلك حتى تجد سكة السلامة.أما الأوقات التي لا يرى الناس فيها للحاضر فضيلة فهذه مسألة شاقة. إذ لا يمكن لزمن من الأزمان ان يكون خاليا من فضيلة، أو حسنة، مهما كان. هناك دائما أشياء جيدة طالما وجد هذا المقدار او ذاك من الصحة والغذاء والسكن والعمل والزواج والأبناء والشجر والنهر والشمس والقمر.ان مثل هذه الأوقات، الخالية من كل حسنة، لا وجود لها، خيالية، رؤيا سوداوية، أو نظرة فكرية لا حقيقة حسية. ومرة أخرى ليس لدى الحيوان مثل هذه النطرة المأساوية.واذا كانت هذه النظرة مأساوية فماذا نقول عن بشر شطبوا الحاضر من عقولهم وأقاموا في الماضي أو المستقبل او كليهما؟كارثة. أليس كذلك؟ان الحاضر هو كل شيء. انه الحياة. هو نتاج الماضي وهو وجهة المستقبل. فلا مستقبل لمن ليس لديه ما يصنعه ويسعد به في الحاضر. ولا ماضي لمن ليس له حاضر. لا وجود ولا معنى لأي ماض اذا لم يكن هو ما صار وتكون منه الحاضر.ومرة ثالثة ليس لدى الحيوان مثل هذا المذهب. انه من مذاهب البشر. وكل المذاهب التي تصرف الناس عن الحاضر باطلة. فالناس تعيش اليوم لا امس ولا غدا. رايات الماضي والمستقبل باطلة. فأنت لن تسعد لسعادة جدك. ولن ترهن سعادتك بمستقبل أحفادك. وكل شيء، كل نضال، ينبغي تسخيره من أجل تحسين الحاضر، لا " كل شيء من أجل المعركة" كما يقول شعار شهير.وهذا الحاضر، الذي هو الحياة السعيدة التي يجب ان نحياها، ليس لغزا. انه بناية قائمة على ثلاثة اسس بسيطة، هي العمل، وتقدير زملائك في العمل، والهواية. الأول والثاني هما الجد. والثالث اللعب. لعب وجد على رأي عبد الحليم حافظ. وللحيوان لعب وجد أيضا. يا إلهي كم نستطيع التعلم من الحيوان!هل سمعتم يوما ان الحيوان يقدم شهداء مدفوعا وراء راية مستقبل بعيد او ماض تليد؟ أضاحي من أجل أوهام؟ هل ينسى غذاءه ومأواه وقطيعه، وبالجملة راحة يومه وحاضره، من أجل الغد ومجده المخلد؟وحدنا معشر البشر نتوهم ونخدع. وسنبقى كذلك ما كابرنا على أقدم اسلافنا!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram