TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :حـكّ رقبـة

سلاما ياعراق :حـكّ رقبـة

نشر في: 10 مارس, 2012: 08:54 م

 هاشم العقابي كان العرّيس واحدا من أقرب أصدقائي. يسكن في القطاع المجاور لقطاعنا بمدينة الثورة في تلك الايام. واصدقاء العريّس، آنذاك، يعاملون على انهم VIP ولهم امتيازات خاصة. من بينها تخصيص غرفة خاصة بهم يحتسون بها ما تيسر من العرق. وتفرد لهم  وجبة عشاء مميزة  تحفظ جانبا لتقدم لهم بعد آخر كأس.
وبينما كنا في تلك الغرفة هزّ الدار صوت: الحكوا صارت عركة بالسجاجين. يا ساتر. هرولنا الى خارج الدار حيث الحفلة المحاطة بنشرة ضوئية، وكراسيّ مؤجرة وكرويتات أعارها الجيران لأهل العريس. وجدنا فريقين متقابلين: أنصار فريد الأطرش مقابل أنصار عبد الحليم حافظ. وقائد  الفريق الثاني يصرخ: إذا بيكم رجال خل يطلع. فيرد عليه قائد الفريق الأول: انتو لو زلم ما حبيتوا عبد الحليم الـ ...عصي، وبوكسات حديد، وسكاكين وسيقان كراسي خلعت من اماكنها فصارت رايات بيد المتحاربين. سألنا: ولكم شنو القصة. جاء الجواب ان مطرب العرس قد غنى اغنية "الربيع" بعد ان قدم لها بعزف من فهمه، لا على العود، لانه لا يعرف العزف. وعندما انتهى، طلب منه انصار عبد الحليم ان يغني لعندليبهم الأسمر. رد جماعة فريد: اللي يغني لأبو وحيد ميصير "ينكس حلكة" باغاني صاحبكم.  شوف ذوله يكولون غنه .. بابا هذا يجوعر مو يغني. انجبوا. و .. يا كاع اخذيني وطميني. علكت.فزع كبار السن وآباء وامهات المتحاربين ولم ينجحوا في فرض الهدنة الا بالشفاعات، لكن بعد أن تفلش العرس، وصار من النادر ان تجد احدا من الطرفين لم يتمزق قميصه او تتورم شفته او تزرّق عينه. هذا عدا عن النشرة الضوئية التي سقطت من مكانها، فجاء احد "الكلوبات" على رقبة أبو عناد الذي ظل يئن: عوينة ابو فريد لا بو حليم ..  ولكم اشتوت علباتي.تواعد الفريقان على ان يكملا "العركة" غدا في ساحة الحبيبية لكرة القدم حتى لا يكون هناك "حواجيز". غادر الضيوف المكان وعدنا الى غرفتنا. تبعنا العريّس وقد تكدر وما عاد له نفس ان يبقى مع عروسته. ثم تبعه ابو عناد الذي أشار على الساقي ان يصب له كأسا علها تخفف من شدة الم الحرق الذي طال رقبته.واليوم، وبعد مرور أكثر من اربعين عاما، على تلك الواقعة قرأت بان الخلاف بين فريد وعبد الحليم كان حقا قد وصل في ليلة اغنية "الربيع"  الى اوجه. والسبب باختصار هو ان فريد قرر فجأة ان يقيم حفلته السنوية في اليوم نفسه المقرر لحفلة عبد الحليم. لكن هذا الخلاف انتهى في اليوم التالي بتلبية عبد الحليم دعوة خصمه للغداء في بيته بعد فاصل من الضحك والفرفشة. هما يضحكان وشباب مدينة الثورة، التي كانت حالهم لا تقل بؤسا عن حالهم اليوم، استعدوا في اليوم التالي للقتال. وما العجب؟ ألم يقل المصريون في امثالهم: "الفقر مش قلة فلوس ..  الفقر قلة عقل".وها هي اليوم صورة المطربين المصريين يضحكان امامي، وخلفهما تلوح لي صورة ابو عناد، الذي رغم احتسائه الكأس الثالثة، ما زال يحكّ رقبته المحترقة. اظننا سنظل نحكّ رقابنا مثلك الى الابد يا  ابو عناد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram