TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: صورة "محمودية" للمالكي

أحاديث شفوية: صورة "محمودية" للمالكي

نشر في: 10 مارس, 2012: 10:54 م

 احمد المهناعند مدخل مدينة المحمودية، وقرب سيطرة عسكرية، ترتفع صورة ملفتة للسيد رئيس الوزراء. وهي لاشك موجودة تطوعا من قيادة عسكر البلدة، وليس بتوجيه حكومي. لذلك يمكن اعتبار المشهد نتيجة اجتهاد فردي من جنرال. وهذا اذا كان مثل هذا المشهد مايزال حتى الآن فريدا، وهو ما لا علم لي به.
وبافتراض أنه اجتهاد فريد، "بادرت" به المحمودية وحدها، فإنه ليس بالإجتهاد البسيط الذي لا يخلف اثرا، كما أنه يكتسب خطورة عندما يلاقي هوى من الحكام، ودفعا واندفاعا من المحكومين. وكل شيء، خيرا كان أم شرا، يبدأ صغيرا، ويكبر ويعم حين يجد بيئة ملائمة. وكلنا يتذكر كيف بدأ الزعيم عبد الكريم قاسم خجولا، ثم كيف تخبل وصار مبعوث العناية الإلهية، بعد إغراقه في بحور من الملق. ان الأمر الذي أعتقد أنه ايجابي للغاية، وكان من منجزات عراق ما بعد صدام، هو نهاية تقليد وضع صور الرؤساء في الدوائر الحكومية والشوارع والساحات العامة. وكانوا، على أي حال، رؤساء جمهورية، لا رؤساء وزراء كحال المالكي: وهذا ليس تحريضا للطالباني على المالكي، وانما مجرد تذكير بأصل التقليد. والمعروف ان هذا التقليد يوجد في ظل الأنظمة اللاديمقراطية، وينعدم في البلدان الديمقراطية. فالصور في ساحات وشوارع الأخيرة محتكرة للإعلانات عن البضائع، ما كان أساسيا منها أو كماليا. وكلها صور فاتنة، لأن الإعلان صار فنا بديعا، تشقى بصنعه العقول وتكد، من أجل اجتذاب عيون يصعب اجتذابها، لأنها ذات ثقافة بصرية فاحصة ناقدة. والإعلان الأنجح يعني ربحا أكثر. والربح هدف التجارة. والتجارة هي الحياة. فأي رئيس أو ملك ديمقراطي يمكن أن ينافس بخلقته التجارة على خلق الإعلان؟ان الفرق بين وجود أو غياب تقليد تعليق صورة الرئيس، هو الفرق بين مفهوم سيد المجتمع، وبين مفهوم خادم المجتمع، بين مجتمع تفاوت بين الرؤساء والمرؤوسين أمام القانون، ومجتمع مساواة بينهما أمام القانون.و" الخادم"، ولو كان كبير القوم، لا يستطيع في الديمقراطيات ان يميز نفسه عن المخدومين، وهو أجيرهم، تمييزا فاقعا مثل تعليق صوره فوق رؤوسهم. فقط في حالات نادرة، تضع الديمقراطيات صور او تماثيل رؤساء فوق رؤوسها، حين ترى أحدهم قدم خدمة عظيمة أو تضحية جليلة. وغالبا ما يحدث ذلك بعد مغادرته الحكم أو رحيله من الحياة.أما الصور والتماثيل المرفوعة خالي بطال، فهي من شيم شعوب القاهر والمقهور. فما يرتفع هنا ليس الصورة وحدها، وانما الإعلان عبرها عن ارتفاع الرئيس عن الشعب الى السحاب، عن مذهب تعال على القانون الذي يحكم الناس، وعن رمزية تسلط على رقاب الناس.ثم إن هناك بيضة "خطيئة أصلية" في رؤساء الدول، خاصة اذا أصابوا بعض النجاح، وهي النرجسية. فإذا فقست حل زهوهم بأنفسهم محل الإهتمام بخدمة المجتمع. والهدف الوحيد للنرجسي ان يعجب به قومه لا أن يقوم لهم بالواجب او يتقبل محاسبتهم له على التقصير. و"المبادرة المحمودية" تخدم مرض النرجسية العضال. وهو داء أدرك الشعراء فأعيوا الأمم، فكيف إذا ضرب الحكام؟انها ليست مجرد صورة فوتوغرافية، وانما رمز أنظمة تسلطية تأرجح العراق طويلا بين حدودها الدنيا والقصوى، وما بدل عنها تبديلا!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram