علي حسيناعتقد أن النخبة السياسية في العراق تعاني اليوم من حالة انزعاج، وربما دخل بعض عناصرها والمقربون منها في حالة استنفار قصوى، والسبب لأن الدكتور موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني السابق، احتجز في احد المطارات الأميركية لمدة خمسة عشر ساعة متواصلة منع فيها حتى من دخول الحمام، حسب ما جاء في التقرير الإخباري الذي نشرته صحيفة لوس أنجلس تايمز التي قالت:
إن موفق الربيعي قد تم منعه من دخول الولايات المتحدة الشهر الماضي بعد أن شكك مسؤولون أميركيون في أسلوبه في استخدام جوازات سفر متعددة، وتضيف الصحيفة ان الربيعي احتجز مع ابنه يوم 20 شباط في مطار لوجان بوسطن من قبل الجمارك قبل أن يُجبر على العودة إلى لندن.وقال الربيعي في مقابلة هاتفية مع الصحيفة انه كان يسافر بجواز سفر بريطاني باسم بيكر مو، وهو الاسم المستعار الذي اعتمده منذ سنوات طويلة، وأضاف انه دخل أميركا مرات عديدة باستخدام جواز السفر هذا، ولكن بناء على طلب من مسؤولي الجمارك فانه أظهر أيضا جواز سفره الدبلوماسي العراقي الصادر باسمه الحقيقي "موفق الربيعي"، وهو يعتقد أن ذلك أثار المخاوف.وقال الربيعي ان مسؤولي الجمارك لم يوضحوا سبب احتجازه. وشكا من انه لم يسمح له باستخدام الهاتف أو الذهاب إلى الحمام وتعرض للتفتيش الاعتيادي لثلاث مرات. وقال الربيعي"لقد شعرت حقا بالانحطاط إنها مهينة للغاية، وربما أكون الشخص الوحيد الذي عمل معهم لمدة تقارب عشر سنوات في العراق، وقبلها أيضا".إذن نحن أمام خبر مفزع، فالرجل الذي قدم خدمات جليلة للأميركان، يتنكر له الجالسون في البيت الأبيض ويعاملونه على انه مزور، وهذا الخبر مثلما كان فالاً سيئا على الدكتور الربيعي، إلا أن له فوائد كثيرة بالنسبة للعراقيين، فهو قد كشف لهم عن القناع الذي يغطي وجوه العديد من الساسة المسؤولين، وبالأخص ممن صدعوا رؤوسنا بنظرية الأمن الوطني، والأجندات الخارجية، والشعارات البراقة حول المؤامرة التي تستهدف التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق.كنت قد كتبت في هذا المكان أكثر من مقال عن اللاعبين على الحبال الذي يتكاثرون كل يوم ويتصورون أنفسهم أذكى من الجميع.. أو ربما لأنهم لا يقرأون التاريخ وبالتالي لا يستفيدون من تجارب الشعوب وربما أيضا أن الانتهازية والطمع تغشي العيون وتعمي الأبصار.إلا أن الثابت تاريخياً أن اللعب على الحبال يزيد في فترة الفوضى السياسية فتجد البعض يسعى لأن يضع قدما هنا وأخرى هناك.. يمد يده لفئة، ويده الأخرى تصافح جهة ثانية، يؤيد هذا ويؤيد ذاك أيضاً في الوقت نفسه. إنهم أصحاب الأقنعة المتغيرة الذين تجدهم في كل وقت وزمان، لاعبو الحبال لا يهمهم مصير البلد بقدر ما يهتمون لمصالحهم الشخصية، تجدهم في كل محفل، بل يلاحقونك حتى في البيت حين يطلون من خلال الفضائيات بوجوه صاخبة، تشيع أجواء من الإحباط واليأس وعدم الثقة.. حتى أصبحنا نعيش في سيرك كبير، سيرك يسمح فيه لمسؤول تولى منصبا امنيا خطيرا ان يحتفظ بجواز سفرة الأجنبي، وباسم وكنية أجنبية يتباهى بها في مطارات العالم. صح النوم يا دكتور.. أفق.. فأنت بحديثك عن الإهانة إنما تضع اعتبارا لفكرة كان ينبغي أن لاتطرحها على نفسك أصلاً.. لأنه ليس من حقك كمسؤول عن امن الوطن ان تصبح صاحب بالين، وتفضل أن تحتفظ باسمك الأجنبي وأنت تتحدث عن خطورة اختراق الأمن الوطني.للأسف نسمع يومياً كلاماً جميلاً عن الوطنية والتصدي الرسمي لمحاولة قادة الأعداء التدخل في الشأن العراقي، ثم نفاجئ بأن الذين يتحدثون عن الأمن هم أول من خرقه بخطوات عملية كان اخرها واكثرها كوميدية ان يكون "بيكرمو الربيعي" مسؤولاً عن أمن العراقيين ومستقبل وطنهم.
العمود الثامن: "بيكر مو" الربيعي
نشر في: 10 مارس, 2012: 11:05 م