TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > التلازم بين الحركة الديمقراطية والنهوض الكردستاني : لغة التطاول ومفردات التحريض المتعالية

التلازم بين الحركة الديمقراطية والنهوض الكردستاني : لغة التطاول ومفردات التحريض المتعالية

نشر في: 11 مارس, 2012: 11:06 م

 فخري كريم

ما يغيب عن بال كثـرة من السياسيين وقادة الدولة أن إسقاط النظام الدكتاتوري لم يتحقق مباشرة بأيدٍ عراقية وإنما بوسيلة الحرب وأدواتها الأجنبية..

والكل يعرف أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا وراء تحقيق ذلك مع ما ترافق معه من تعدياتٍ وأخطاء وخروقات سياسية وإنسانية،

 عطلت إرادة العراقيين ووضعتهم في بيئة سياسية أعاقت إنجاز الأهداف الديمقراطية التي كانت في أساس نضالاتهم وتضحياتهم.

وليس في هذا الواقع ما يعيب، من وجهة نظر الخلاص من نظام جائر وحكم طاغية مستبد، سوى ادعاء من يتغافل عن ذلك  بأنه "صاحب منّة" على العراقيين وفضلٍ يفرض عليهم نوعا من الولاء والرضوخ لسلطته والطاعة لأوامره.

ومن المعروف أن المرحلة التاريخية التي دشنت الانقلابات العسكرية وكرست سلطة الطغمة والفرد الشمولية الاستبدادية هي التي أنتجت لغة مصادرة الإرادة الشعبية وادعاء الحق بتمثيلها، وهو ما جعلها تتمادى في افتراض كونها صاحبة دالةٍ على الشعب والوطن يمنحها سلطة تقرير مصائرهما وأهدافهما وتكريس الوهم بان الحاكم الفرد هو من يتفضل عليهما بأي منجز يتحقق او تطور يشهدانها في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية، بل ان الوهم قد يصل به اذا ما استمر تسيّده لفترة تطول في ظرف استثنائي تختلط فيه الأوراق، بأنه عنوان الدولة، والدولة تجلٍ افتراضي لكينونته المتضخمة.

لقد بلغ الغيُّ بالطاغية المباد ان تلبّس هذا الوهم حتى أخذ يتجرأ في تعيير العراقيين بـ " دشاديشهم " وهو صاحب الخطبة العصماء التي، ذكَّرهم بماضيهم حيث لم يكن لأحدهم غير " دشداشة " واحدة ثم " دشداشة للصيف ودشداشة للشتاء "، الى ان حل عليهم بنعمته، فجعلهم يتنقلون بالسيارات الفارهة بدلاً من المشي على الأقدام وركوب الحمير والاباعر بفضل انقلابه الأسود.

ان هذه اللغة والمفردات " التَعييّريّة" المتعالية الخاصة بالطغاة والمستبدين، لم تختفِ مع اندثار النظام الذي أنتجها، بل توارثها حملة أصحاب مشروعه الانقلابي، وتسللت بخجلٍ احياناً وبوقاحة في مناسبات غير قليلة الى المشهد السياسي الراهن.ولا يمكن نسيان المفردات التي أطلقها بعض النواب وقادة الكتل ضد الشعب الكردي وتهديده بالويل ساعة تستعاد " القوة " التي سلبتها منهم " قوى طارئة " لا مستقبل لها في الحكم.

و لغة البعث والانقلابيين وأيتامهم هذه، تتكاثر في الخطاب السياسي الرسمي وفي الممارسات العملية على صعيد الحكومة في التعامل مع الناس، وفي سياق معالجة القضايا المصيرية.

وتكثر المظاهر المخلة التي كانت جزءا من السلوك المباح قبل ٢٠٠٣، فلم يَعُد غريباً مشهد "الهتيفة" الذين يتزايدون في الوقوف ومقاطعة خطب رئيس الوزراء وهم يشيدون بمناقبه ومآثره والدعوة له بطول البقاء في السلطة،وغير ذلك من المشاهد والمظاهر التي لا يجمعها مع النهج وتقاليد الديمقراطية جامع.ولا ينبغي بالضرورة تحميل رئيس الوزراء وزر هذا العيب وتداعياته، لكن مجرد تكرار هذا المشهد والسكوت عنه انما هو تعبير عن رضا مخلٍّ. وفي هذا السياق أصبحت لغة  "الأنا"  طاغية في مخاطبة الناس مع ما يرافقها من عبارات "الرفض" "والامتناع" "والتهديد" و"الموافقة" وكأن في كل ذلك إشارة لإلغاء الدولة والصلاحيات الممنوحة للحكومة والوزراء واختزالها في إرادة متفردة يتحكم بها شخص رئيس الوزراء.ولا تكتمل هذه اللوحة دون التوقف عند المشهد شبه اليومي لرئيس الوزراء وهو يطل من شاشات التلفزة ووسائل الإعلام وهو ما يُذكّر العراقيين بما لا يسر أحداً.

قبل أيام برزت علامة جديدة في تصريحات رئيس الوزراء الى جريدة سعودية تحمل قدراً كبيراً من الإساءة الى الشعب العراقي ونضالاته وتضحياته، اذا ما انطلقنا من وحدة كفاح العراقيين وتضحياتهم بعربهم وكردهم وتركمانهم وكل مكوناتهم دون تمييز، ووحدة مصائرهم وشراكتهم في ما تتحقق من منجزات ومآثر. وحتى لو أخذنا الأمر بحسن نيّة باعتبار ما ورد في التصريح مجرد زلة لسان، فان البعض، خصوصاً اذا ما اقرن ذلك بطائفة من الإجراءات والسلوكيات السياسية المنافية للنهج الديمقراطي، يعتبر الأمر انعكاساً لمكنونٍ مستور وجد له فرصة الظهور الى السطح من حيث لا يريد صاحبه.

لقد ذكر رئيس الوزراء بصيغة لا تعكس حساً إيجابياً بان الأكراد في العراق، يتمتعون بامتيازات لم تتحقق لجيرانهم الأكراد.! ومن كثرة استخدامه للغة الأنا في خطاباته، تسللت كلماته الى أذهان مستمعيه وكأن ما تحقق للشعب الكردي من منجزات واستقرارٍ انما يعود الفضل فيه له شخصياً، وان الأكراد إنما هم " طرفٌ"

آخر لا يجمعه مع أشقائه العراقيين من المكونات المتآخية جامع نضالي وتاريخ مشترك.

ان ذاكرة العراقيين، من غير الملوثة عقولهم بأفكار وقيم وممارسات النظام البائد، مترعة بمآثر البطولة والتضحيات المشتركة التي جمعت المناضلين الكرد واشقاءهم من سائر المكونات والمحافظات والأحزاب فوق جبال كردستان وفي سهوله ووديانه، وأراضي مناطق كردستان في أرجائها المختلفة تضم الى جانب جثامين ابطال البيشمركة الكردستانيين، رفات المئات من  المناضلين العرب والتركمان والصابئة والايزديين، المسلمين والمسيحيين، وطنيين وديمقراطيين وشيوعيين وإسلاميين. وظل شعار " الديمقراطية للعراق " جزءاً لا يتجزأ من شعار الحركة القومية الكردية، مع ما جرى عليها من تطوير وتحديث بدءاً من شعار الحكم الذاتي لكردستان والديمقراطية للعراق وصولاً الى الفيدرالية في إطار عراق ديمقراطي اتحادي. كما ان هذه الذاكرة الجمعية لا يمكن ان تنسى النهوض الجماهيري في شتى مدن العراق وحواضره وهي تهتف مناصرة الثورة الكردية وتدافع عن حق تقرير مصير الشعب الكردي، ولا آلاف المناضلين العرب ومن المكونات الأخرى الذين اعتقلوا وسجنوا وتعرضوا لصنوف التعذيب دفاعاً عن هذا الحق المشروع. وإذا ما تبين أن هذه المشاركة الجماهيرية السياسية المتعاطفة قد كَمُنت بفعل انحسار الحركة الديمقراطية التي تعرضت لأقسى صنوف الإرهاب والتصفيات الجسدية وتسلط أفكار ونهج البعث، فان ذلك لا يعبر عن تراجع الترابط الوثيق بين تمتع الشعب الكردستاني بحقوقه وإنجاز المشروع الديمقراطي في العراق.بل سيظل الانعكاس المتبادل بينهما، سلبا او إيجابا هو المقرر لوجهة تطور البلاد في المسار الديمقراطي ونجاح تكريس دولة المؤسسات والقانون والحريات، الدولة المدنية الطاردة لدولة التنابز الديني المذهبي الطائفي، والمحاصصة الذميمة.

وبعيداً عن التعريض او التشكيك او الادعاء، لابد من تذكير البعض من شركاء العملية السياسية الديمقراطية من ذوي النوايا الحسنة و "سوء التعبير اللساني"، خلافاً  للقومجية البعثيين ومن على شاكلتهم ممن يتوهمون بأنهم "راجعون " ان ما تحقق للشعب الكردستاني انما تم قبل كل شيء بفضل نضالاته وتضحياته التي قوبلت من قبل الحكومات الشوفينية بكل أسلحة الفتك والإبادة واستخدام السلاح الكيمياوي والأنفال والمقابر الجماعية والتي استمرت طوال أكثر من أربعة عقود، والتي كانت الثورة قد استمدت جذوتها من رصيد الكفاح التاريخي الذي لم يتوقف. لكن الشعب الكردي لا ينسى او يتغافل عن تضامن أشقائه في سائر أرجاء العراق، ويعتبر ذلك رصيدا مضافاً الى العزم المشترك لبناء عراق ديمقراطي حر.

ان الوطنيين من كل التيارات المعارضة للدكتاتورية،  يحفظون دروس النضال المشترك العربي الكردي، والحفاوة والاحتضان التي قوبلوا بها في كردستان المحررة بعد انتفاضة آذار المجيدة 1991، حين كانت كردستان الرئة التي يتنفسون منها وفيها هواء العراق المحتل من الدكتاتورية والأسير لدى الطاغية. ولا يغيب عن أذهانهم ما كان يقدمه البيشمركة الذين ينسى اليوم البعض من حكام العراق الجديد أفضالهم من تسهيلات لحركتهم واتصالهم برفاقهم وتنظيماتهم، واستشهاد البعض منهم في معارك حماية تحركاتهم تلك.

ربما تلعب السلطة، لعبتها المغفلة كالعادة مع من تتلبسهم فكرة دوام السلطة والتمكن من أدواتها، وفي مثل هذه الحالة لا تنفع الدعوة للانتباه واليقظة، بل قد توحي مثل هذه الدعوة بالتحريض والعداوة وسوء النوايا المبيتة.ولكن مصائر الوطن أعلى شأناً من الرضوخ لمثل هذه الأوهام، ولان في الوقت متسعاً للكلام في رحابة الدعوة المخلصة، فلا بأس من إعادة التفكير، لا في النهج السياسي المتعثر والتدابير العوجاء، بل على أن يتناول ذلك " لغة الكلام ومفردات المخاطبة " وليس عبثاً إذ جرى التحذير من عثرات اللسان وعواقب الزلل منه.

أما ماجرى الاستشهاد به في خطاب رئيس الوزراء، فلا يمكن اعتباره استهدافاً للشعب الكردي وانتقاصاً من نضالاته، لأنه، شخصياً، كان ضيفاً عليه يوم لم تكن بغداد بما هي عليه اليوم من سلطة حكم وامتيازات سوى حلم ليلة صيف. وقد نال فيها الشهادة  الجامعية العليا التي منحته حظا مضافا للحكم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram