TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تعدّد الأصوات فـي حامل الجمر

تعدّد الأصوات فـي حامل الجمر

نشر في: 11 مارس, 2012: 06:54 م

عبد الكريم كاصد  ما يستأثر بالاهتمام في مجموعة عادل مردان "إنشاد حامل الجمر" هو تعدّد الأصوات في بعض قصائدها رغم قصر هذه القصائد، وكثافتها بل اختلاط بعض هذه الأصوات أحياناً، وقد تتبادل هذه الأصوات الأدوار حتى لتبدو وكأنها في مسرحٍ يردّد أصداءها التي تشغلنا حتى عن معانيها وقد استوعبتها الأصوات ذاتها، ما أحالها إلى أصداء من الصعب الإمساك بها، ففي قصيدة "الرعب مشرقياً" ثمة ثلاثة أصوات أو أربعة وربما أكثر أو أقلّ تتردّد متنقلة من الخطاب الشبيه بالسرد إلى الخطاب المباشر، إلى التعليق ومن ثمّ إلى الخاتمة التي قد تكون جزءاً من التعليق أو صوتاً منفرداً:
ضحوة رائعة يقلّمون أظافرك فيها وتعود مواطناً من الدرجة الثالثة رأيت مني الكثير صمتي الخرافيّ والمرح الذي أضفيه على فزعي حينها كنت لا تأبه باستغراقrnثم يعقبه الصوت الآخر:ليست تصفية حسابات أيها الرعب يا من طيرت عقولنا إلى كواكب أخرى أيها الرعب كم تألهت في الأنفس حين مثّلت بمشية عرجاءدور اللقيط لـ (سومر) ثكلى أيها الرعب تعرّ لأشاهد سرّتك الناتئة تدور دورتنا الكونية مزلزلٌ تاسوعها النيسانيّrnثمّ:يعجبني جدّا يا رعبنا الطوطميّأيها الليل الذليل الحديثأن تطمئن لابتسامتيrnثمّ هذه النهاية المفاجئة الساخرة بنبرتها الحادة وكلماتها التي تستحيل أصواتاً محضة، أصواتاً تكاد تكون خالية من المعنى حتى وإن كانت تحتويه، والتي تأتي امتداداً للسخرية المبطنة، ذات النكهة الشعبية الواضحة، في الأبيات التي سبقتها : أيها الرعب/ يامن طيّرت عقولنا/ إلى كواكب أخرى :rnزاغزاغ ذهبوا إلى الحضيضوبقيت شريداً بلا مسبحةrnكأننا هنا إزاء مشاهد أربعة لمسرحية تجري على المسرح، مشاهد لتعميق المعنى الذي هو هنا الرعب بأصواته التي تتخلل المجموعة بأكملها، وبسخريته المبطنة التي تتحول إيماء إلى أشد بشاعات المعنى. إنها المرح الذي يضفيه الشاعر على فزعه، والذي يحول دون أن تصير الأصوات صرخات رعب حقيقية. ولعل في هذا المرح ما يربك الآخر الذي يطالبه الشاعر أن يطمئن إلى ابتسامته المهدّدة، ابتسامة الضحية المنتصرة على جلادها.  ولأنها مسرحية أو شبيهة بالمسرحية فإن لإخراجها أكثر من زاوية:قد يأتي مخرج ويتخلى عن الصوت الأول مثلاً ليبدأ مسرحه بصيحةٍ : أيها الرعب، وقد يكون التخلي عن صوت آخر من الأصوات الأربعة الأخرى وقد يجد صوتاً جديداً أو يحذف صوتاً. ثمة إمكانات واحتمالات تتعدّد بتعدّد القارئ/ المخرج  ولعلّ هذه الإمكانات والاحتمالات ترافقنا في قصائد أخرى، ففي قصيدة (ذكرى السطوع) ثمة صوت لا ندري هل هو صوت المخاطب أم المتكلم؟ هل هو خارج القصيدة أم داخلها؟، غير أن مشهد القصيدة وما يمنحه من متعة يجعلنا في شغل عن هذه التساؤلات. ثمة ضحك وثرثرة وغراب وساحة ومدخنة أشدّ انتشاءً من المتكلم الغارق بالضحك والذي قد يكون هو المخاطب نفسه:rnتضحك الساحة، المرأة تضحك، وأنتَ تضحكوالغراب يثرثر أعلى المدخنة، المرأة تضحكوأنتَ تضحك، والغراب يثرثر سارحاً الساحة نشوى والمدخنة نشوى بجنونهِrnهذا الصوت الذي يرافق المشهد سرعان ما يختفي تاركاً أصداء ضحكة وراءه لندخل مشهداً آخر يكاد يكون صامتاً وقد أثقلت الحبسة على أبطاله:يشدو باسماَ في عربة البرقإذ سَرّهُ تفانيه المسبحة تبوح له : أنت سيد الناسوالحبسة أثقلت عليه، قميصه أسود ولحيته خضراءبينما شذرة محبسه تومض تسرع العربة فيبترد ثدياهrnوحين نصل المشهد الثالث تطالعنا برهة تذكرنا بالمشهد الأول، لسطوعها الذي يجرف الواقف.من الواقف؟وقد يختزل هذه الأصوات التي تتناوب المسرح صوتٌ واحد .. سخرية سوداء تمحي فيها الأصوات الأخرى :rnبمحبس فضةٍ تكسر جوزة آكل لبها الذابل يا أسى يا أسى التائقين أعطني تاجك الأسودrnإن طغيان هذا الصوت في القصيدة يجعل الأصوات الأخرى خفيضة فأنى لصوت يبتدئ بـ:rnالأسى وطن الكلماتrnأن يحضر إزاء ذلك الصوت؟rnحقّا ثمة إنشاد ومن ينشد هو حامل جمر وما أصعب المهمتين!    

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram