قيس قاسم العجرشتأكـّد الجسمُ الصحفيُّ خاصةَ والثقافي عامة اليوم أننا أمام احتمالين، الأول ،أن السلطة لا تفهم (لقصور في آليات الفهم) معنى أن نحوز حياة ثقافية وإعلامية وصحفية حرّة.الاحتمال الثاني، وهو الأرجح، أن السلطة تفهم، إلا أنها تشعر بافتراق مع هذا الجسم المنتج للأفكار وينتج في الوقت نفسه مصدراً للاختلاف والتنوع.
السلطة تتلمس غربتها عنه، وبالتالي(ياللغرابة!) تسعى عن عمدٍ لإهانة وإذلال رموزه وطبيعته ظناً وطمعاً في استتباعها.الإهانة التي تعيشها الثقافة والصحافة اليوم مصدرُها طواشي ورعيان وحرس الحرملك في الإعلام من الذين خدموا سابقاً ويخدمون اليوم كما سيخدمون غداً كل مُمسكٍ بالقرباج، أياً كانت عقائده. هل تجدون اليوم قراءة "إستراتيجية" لسلطة ما كي تتعامل مع الثقافة والإعلام والصحافة بأسوأ من هذه الطريقة؟ هل يمكن أن نتصور أن "السلطة" تتعمد إهانة الصحافة من أجل إسكات الصحافة!.هذا القصور في العقلية المتحكمة والتي للأسف تتلامس في خطوط تماس يومية مع الصحافة هي التي تتصدر "واجهة " الحكومة وهي التي تبدو على أنها روح الحكومة .أغرب من هذا، تختار الحكومة لنفسها "ألـسن ثانوية" هي من السوء التاريخي بما يورطها في صورة نفترض أن تكون قد دُفنت مع بزوغ دستورٍ كتبَ على نفسهِ الديمقراطية وحرية التعبير وضمان الصحافة الحرة.الورطة تبدو هنا أوضح وأكثر بروزاً في معالمها، دستورٌ يذم البعث (بنسخته الصدامية) ويستقبح معالم جرائمه وبراثنه في المجتمع في قبالة سلطة تظن أن هؤلاء المُستقبَحين هم في مقدمة من يرسّخون صورتها وأن بإمكانهم أن يقدموا خدماتهم "التثبيتية"الجليلة كما قدموها من قبل لكل الأسياد والسلاطين الذين مرواً على هذه الأرض.مسـكينٌ هذا المتسلط، إذ مازال يؤمن بأن البعث والبعثيين وإعلامهم وأقلامهم هم وحدهم من يرسّخونه في هذه الأرض الرخوة.الأكثر مثاراً للاستهجان مظنـّة رخاوة الأرض، مع المفارقة بأن الديمقراطية هي من جلبت السلطة وثبتتها ،فيما تظن السلطة أن زعانف الدكتاتورية وبقايا مضغ فمها هي من تبقيها قائمة، أي مفارقة هذه ؟! أما حديث النسخ فإننا للآن لم نشهد النسخة "غير الصدامية" من البعث حتى يمكننا على الأقل أن نلتمس عذراً للسلطة الساعية إلى استتباع وتحييد البعث، إذ واضح جداً أن البعث لم ينزع عن بقايا وحوشه الطفيلية ثوب صدام إلى الآن.من هنا، تعود الورطة الحكومية إلى الظهور مرة أخرى.هذه النتيجة التي وصل لها كل العراقيين : إن لا بعث بلا صداميين ، وهذا لسوء الحظ يتلازم مع ثلاسيميا الهوس بالتبجيل التي يحسن البعثيون تزيينها وصناعتها لكل حاكم كما يُحسنون نقل العدوى بها مثل الآيدز مع كل ممارسة في حجرة الحاكم، والنتيجة ، صورة غاية في القبح تتعامل بها السلطة مع البؤر الأعمق في وحلها ورُكودها من تلك التي تركتها الدكتاتورية.هنا لا نتكلم عن "ضباط" مهنيين كانت لهم درجات حزبية أو عن أطباء ومهندسين تصادف توقهم للمناصب مع ضرورات الانتماء للبعث أو أساتذة جامعيين انتموا للبعث كفاية للشر، إنما نتحدث عن سماسرة طبـّالين ومُزمرين و"دمبكجية" بالمعنى الدقيق للكلمة امتهنوا التلميع وسوقوا الجرائم وغـسلوا فظائع الجلاد بأقذر المياه.لسوء حظ الممسك بالصولجان اليوم، أن الصحافة في عصر الإنترنيت والفيسبوك لم يعد بالإمكان الإمساك بها وتدجينها عبر مكتب مهني في القيادة القطرية كي يسير قطيع النقابات ، كما لم يعد بالإمكان حصرها في مديرية لتجنيد الصحفيين تحت عنوان نقابة أو عمل نقابي يعمل مثل جوق المشجعين مدفوعي الثمن في ملاعب كرة القدم كما لم يعد بالإمكان زج صحفي في غيابات السجون دون أن تعرف حتى الملائكة مكانهم، يمكن أن يفقد الصحفي رقبته جراء ضرر كلامي تسبب به، إلا أن من الصعب جداً وضع جميع الصحفيين في حقل دواجن واحد.جنة الأباطرة هذه، أصبحت رواية سلطانية ،أمنية يستمنون بها في أحلامهم ويعملون على تحقيقها في أوقات بعد ظهيرة من حكمهم الرشيد أو إنها لا تعدو أن تكون حكاية عن زمن ماضي لا عودة له، في وقت مازالت هذه الصور تهيمن على أصحاب الصولجان والحكومة.وقت النصح مازال متاحاً ولهم أن يأخذوا به مادام متاحاً.وربما يسخر البعض حين يسمعون عن متاح اليوم ومفقود بالغد، هنا نذكـّر أن كل المترنحين من الذين أجروا عمليات الشد على الكراسي ما كانوا يتصورون للحظة أن يسحبوا من رفاه اللحظة في ساعة غفلة منهم.وفي تلك الساعات لن تنفع بالتأكيد أي نقابة حتى وإن تم تغطيسها سبع مرات في حوض حمام الحكومة.معيبٌ جداً أن تؤمن الحكومة بأنها حكومة ديمقراطية لمجتمع اختار الديمقراطية ومع ذلك تستقدم خدماً من هذا النوع الرخيص جداً، أرخص من اللحم البشري الهـَـرم في شوارع مُدن الليل....أصف هذا التشبيه لأنه يذكـّرنا بهم بشكل مباشر..عسى أن يلامسوا بعقولهم حجم العار الملحق بهيبة الحكومة والنظام الديمقراطي بسبب من هؤلاء وأن يخرجهم من شراهة الشفط التي أصيبوا بها.
معيبٌ حـدّ العـَيب
نشر في: 11 مارس, 2012: 06:56 م