أحمد عبد الحسيناعتدنا أن ننتقد الحكومة وأجهزتها ونحن مطمئنون أن غالبية الناس ستتعاطف مع ما نكتب، لأنّ سيئات هذه الأجهزة كثيرة، وهي تعطي يومياً أدلة على سوء أدائها.أنا شخصياً لا أستطيع أن أتخيّل نفسي يوماً مادحاً لمؤسسة حكومية ما، ليس فقط لأني اعتدت الانتقاد، بل لأننا إذا رأينا حسنة حكومية وضعناها في ميزان كبير له كفتان: الحسنات والسيئات، ولكم أن تتوقعوا أيّ الكفتين سترجح.
لكني اليوم ـ على غير العادة ـ أريد أن أمتدح جهازاً حكومياً، ولذا فأنا أشعربالغرابة، بالرغم من أن هذا الجهاز أثبت لي شخصياً كفاءة غير مسبوقة، ورغم أني كنت شاهداً على حسن أدائه، الغرابة مؤداها أننا لا نتوقع نجاحات كهذه في ظلّ الفضاء السلبيّ الذي نحياه.نسمع يومياً تقريباً أنباء تحرير مخطوفين من قبل قوى الأمن الداخلي، جهاز استخبارات الداخلية حصراً، لكنّ هذه الأنباء تضيع في زحمة أخبار القتل والانفجارات وحمّى الصراع السياسيّ الذي لا ينتهي، غير أننا لا نعرف مقدار الجهد المبذول من لدن قوى الأمن لتنفيذ عمليات تحرير المخطوف، إنه عمل مضنٍ وفيه ـ إضافة إلى الشجاعة المتناهية ـ ذكاء استخباراتي وميداني كبير.ربما لكثرة حوادث الخطف تراكمت هذه الخبرة لدى أجهزتنا، البعض من المطلعين قال لي إن أفراد هذه الأجهزة تدربوا جيداً على يد القوات الأميركية، لكنْ بالنتيجة فإنّ ما نسمعه عن أدائها يدعو حقاً للفخر والاعتزاز.قبل أيام قُيّض لي أن أشهد عن كثب استبسال وذكاء أفراد استخبارات الداخلية، خُطفتْ ابنة أحد أصدقائي، عمرها أربع سنوات فقط، تم اختطافها هي وسائق التاكسي الذي يقلّها إلى روضتها، بعد ساعات اتصل الخاطفون بأبيها وطلبوا فدية، في هذه الأثناء كانت استخبارات الداخلية تتابع الأمر أولاً بأول، وبسيناريو مذهل لا نراه إلا لدى استخبارات الدول المتقدمة أمنياً، تمّ تحرير الطفلة والسائق وإلقاء القبض على أحد أفراد العصابة وإصابة آخر، دون خسائر في القوة الأمنية أو المدنيين الذين كانوا في مكان العملية.أزعم أن هذه الحادثة تتكرر يومياً دون أن يشير إليها أحد، مع أنها ـ في الظرف الذي نحياه ـ تدعو للتفاؤل والفخر بجهاز أمنيّ قادرٍ على حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.بعد العملية كان صوت صديقي ـ أب الطفلة المحررة ـ ينشج وهو يشيد بشجاعة الشبان أبطال الاستخبارات الذين أعادوا إليه ابنته سالمة، سألتُ نفسي : كم من أبٍ أو أمّ أو أخٍ صنع له هؤلاء الشبانُ فرحة لا توصف بعد تحرير عزيز له من بين أيدي المجرمين؟باسم هؤلاء الذين لا يستطيعون إيصال أصواتهم أقول: شكراً.
قرطاس: استخبارات الداخلية... شــكـــــــراً
نشر في: 11 مارس, 2012: 07:01 م