TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: اهتمام صدام ولامبالاة الديمقراطية

أحاديث شفوية: اهتمام صدام ولامبالاة الديمقراطية

نشر في: 12 مارس, 2012: 10:11 م

 احمد المهناسنوات عديدة مرت وأزمة المرور قي بغداد مستمرة، وقد بلغت أقصى حدود الشدة، بل اخترقت حدود الشدة هذه الأيام، مع قرب انعقاد القمة العربية. ويمكن النظر من خلال هذه الأزمة الى احد الفروق الأساسية بين وضع عراق صدام وبين وضع "الديمقراطية الفتية" الحالي.
انه فرق "الإهتمام" بالناس أو الشعب.ويقينا ان صدام كان مهتما شديد الإهتمام بالناس. وليس أدل على ذلك من أجهزة استخباراته القوية والوفيرة. وشغلة المخابرات هي معرفة الناس، ماذا يقولون وكيف يفكرون وماذا يفعلون. وكان هذا النوع من المعرفة لدى نظام البعث قويا للغاية. وهو أحد أسباب استمراره في الحكم 35 عاما رغم كثرة أعدائه الداخليين والخارجيين، وكان سيعمر أكثر لولا إسقاطه بواسطة الغزو الأميركي.كان نظام البعث، الذي أصبح فيما بعد نظام صدام اسما وفعلا، شديد الإهتمام بالصغير والكبير، حتى انك يمكن ان تجد بين ضحاياه أقل الناس شأنا. بل ان أغلبهم من الشرائح البسيطة، وأقلهم من السياسيين والعلماء والوجهاء والمثقفين. وهذا الاهتمام كان يشكل العمود الأول لحكمه. أما الآخر فهو الخوف. كان يحكم بمعرفة الجميع وبتخويف الجميع. وبهما شل الجميع واستفرد بالمبادرة.كان يهتم بكل مخلوق لأنه عديم الثقة بأي مخلوق. انه اهتمام فائق للعادة. لكنه اهتمام قاتل. الفرد معه مجبر إما على أن يكون مقتلة بيد النظام، وإما منفعة للنظام، وهي منفعة سرعان ما تتحول بطريقة او اخرى الى مقتلة.وقد انتهى ذلك الاهتمام القاتل، غير مأسوف عليه، ولله الحمد.أما ما حل في "الديمقراطية الفتية" بدلا منه، فلم يكن أسوأ، لأن القتل يظل هو الأسوأ، ولكنه كذلك سيء. انه "اللامبالاة". وأزمة النقل أحد الأمثلة المتطرفة على ذلك. فهذه ثلاث سنوات على الأقل قد مرت عليها وهي نار لهيبها في ازدياد. الإعلام لم يقصر في الحديث عنها وتصوير معاناة خلق الله منها. والناس مألومة موجوعة منها غاية الوجع.أمس سألت موظفا كيف وصلت العمل في التاسعة، وهو موعد بداية دوامه، فقال انه خرج في السادسة والنصف. الزيادة، في قطع المسافة بين المنزل والعمل، ساعتان على المدة الطبيعية وهي نصف ساعة بالكثير. وهذه حال الجميع. لكنها أفظع كثيرا مع سواق التاكسي وأنواع سيارات الأجرة الأخرى. هؤلاء مأساة كاملة.والحكومة لا ترى ولا تسمع. او انها تفعل الأمرين لكنها لا تهتم. الحالة الأولى نتاج فقدان الاحساس بسبب الانفصال عن الشعب. والحالة الثانية لامبالاة ناتجة عن غياب المساءلة والمحاسبة. وكلاهما أسوأ من بعض. فوق ذلك فالحكومة هي سبب الأزمة، نظرا لكثافة السيطرات العسكرية وقطع الطرق لأسباب أمنية. وهذه الأشياء لا تحل أزمة الأمن. الأمن له شقان، معلوماتي وسياسي، وكلاهما لا صلة له بالشوارع والطرقات. المعلومات تعني مخابرات. والسياسة تخص المصالحة.ومن المؤكد ان هذا لا يفوت على الحكومة. فهل الأمر راجع فقط لفقدان الإحساس واللامبالاة؟ ام  شيء من هذه وذاك، وأهم منهما إثارة مخاوف الناس من اجل الحصول على سلطة كاملة عليهم؟ وهل يمكن ان يكون جمع الثلاثة نوعا جديدا من"اهتمام" صدام؟ ولماذا لا يكون كذلك مع كل هذه السلبية في الناس؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram