أحمد حسيناعتدنا نحن العراقيين منذ عقود على الخوف من السلطة، خوف تجذّر فينا بسبب الوحشية المفرطة التي استخدمتها الأنظمة القمعية، بدأ من أول انقلاب عسكري في تاريخ الدولة العراقية الحديثة في العام 1936 الذي قاده بكر صدقي المعروف بقسوته ووحشيته لما نفّذه من مجازر دموية قبل أن ينفّذ انقلابه المشؤوم، ومنها مجزرة سميل ضد الآشوريين عام 1933، ثم ضد انتفاضة العشائر في منطقة الفرات الأوسط عام 1935،
ثم ضد انتفاضة البارزانيين في الشمال، صدقي هو أول من حوّل الجيش من قوة وطنية لحماية العراق إلى أداة قمعية تفتك بالأمة العراقية.ومرورا بالانقلاب العسكري لعبد الكريم قاسم عام 1958، وما تلاه من الانقلاب البعثي الأول في شباط الأسود عام 1963، ومن ثم الانقلاب البعثي الثاني عام 1968، هذه الانقلابات وما جرّته من ويلات ومآس على العراق والعراقيين، وما شهدته حقبها من مجازر مروعة وصادمة تتخاذل أمام وصفها صفة الوحشية هي ما زرع بذرة الخوف في نفوس العراقيين، إنه خوف التسليم لا خوف الجبن، إذ لا قدرة للمواطنين البسطاء الذين لا تتعدى أسلحتهم المسدس وفي أحسن الأحوال البندقية على مواجهة ترسانات عسكرية برية وجوية قادرة على سحق جيش مدرب.الوحشية المفرطة والمبالغة في تجييش أعداد كبيرة من مرتزقة الأنظمة المبادة لمواجهة مجاميع متفرقة من العراقيين تكشف عن حجم الرعب الذي كانت تعانيه تلك الأنظمة من انتفاضات العراقيين، أن تكون شجاعا في مواجهة عدوك أو معارضك فذلك لا يستدعي تجييش الجيوش بل المواجهة بالمثل، لكن حين تجنّد كل قواك لخوض المواجهة مع مدنيين عزل أو مسلحين يمكن حصر أعدادهم في خانة المئات فإن ذلك يفضح مدى جبنك وخوفك المفرط من هكذا مواجهة.في عهدنا الحالي، يتكرر الأمر، ثمة خوف ما زالت جذوره غير مجتثة من صدور العراقيين، وفي المقابل خوف أكبر وأوسع يقضّ مضاجع النظام الحاكم، وبالرغم من تطور خزانة الأسلحة الشعبية إلا أنها ما زالت لا تقارن بترسانة الجيش العراقي، ومن المفترض أن يبث هذا الطمأنينة في نفوس حكامنا وقادتنا لكن العكس هو الواقع، إنهم يخشون الأمة العراقية، يرتعبون من انتفاضة قد تكنسهم كما تكنس الريح الأرض، ترتعد فرائصهم من تسونامي عراقي كتسونامي عام 1991، وهم يعرفون جيدا أن مثل هكذا تسونامي لطالما يغلب عليه لون الدم وترافقه أمواج كاسحة لا تصمد أمامها الكراسي.المؤسف في الأمر أن العراقيين وبسبب الخوف المتوارث لم يتلفت معظمهم إلى هذه المفارقة، مفارقة الخوف منهم، معادلة رعب السلطة المتسلطة عليهم، قبل أن يحل الموعد السنوي الأول لتظاهرات 25 شباط استنفرت الحكومة أجهزتها وماكنتها الإعلامية لتخويف العراقيين من محاولة إحياء تلك التظاهرات مرة أخرى أو حتى الاحتفاء بها، وهو ما يفضح الفزع الذي تعيشه الحكومة والبرلمان على حد سواء، فكلاهما يمثّلان وجهاً واحداً لعملة وجهها الآخر لا تشرق عليه الشمس خوفاً من افتضاحه.
يـخـافـــونـكـــم
نشر في: 13 مارس, 2012: 07:55 م