أ.د. قاسم حسين صالحيفرز التطور الاجتماعي عبر الزمن ظواهر سلوكية ايجابية وأخرى سلبية.واللافت أن الظواهر التي يعدّها المجتمع سلبية تحصل في جيل المراهقين والشباب،وهذه حتمية اجتماعية نفسية تقوم على مسلمة الصراع بين ثقافات الأجيال.
والمشكلة ليست في حصول هذه الظواهر بل في طرائق التعامل معها . فالدول الأوروبية التي تفصل بين الدين والدولة ،وتؤمن مجتمعاتها بالحريات الشخصية ،تترك الممارسين لهذه الظواهر لحالهم ولا تحاسبهم على تصرفاتهم التي تبدو غريبة إلا إذا أساءوا للحريات العامة،ولا تمنعهم من نشر ثقافتهم الجديدة حتى لو كانت مضادة لقيم اجتماعية أو دينية.بل أن هذه الثقافات الجديدة اضطرت علماء النفس والطب النفسي إلى تغيير مفهوم (الشذوذ الجنسي) من عدّه اضطرابا نفسيا إلى حالة عادية،إلا في الحالات التي يلحق فيها الفرد أذى بنفسه أو بشريكه. والمفارقة أن ما يحصل من ظواهر سلوكية سلبية في المجتمعات الحضارية،يتولى الأخصائيون النفسيون تشخيص أسبابها واقتراح معالجات احتوائها،فيما يتولى المسؤولون في السلطة (قوات الشرطة والأمن)التصدي لهذه الظواهر في مجتمعاتنا العربية.فعلى سبيل المثال شاعت في السبعينات ظاهرة (الميني جوب - التنورات القصيرة)بين طالبات الإعدادية، فعمدت (شرطة الآداب) في حينه إلى صبغ سيقانهن بـ(البوية). فقبل سنتين ظهرت مجموعة من الشباب المتميعين الذين يستخدمون " المكياج" لتجميل وجوههم، وزرق الهرمونات لتكبير الصدر ، والتشبه بالنساء في تصرفاتهم من الذين يوصفون بـ(المخنثين) أو (الجنسيين المثليين). فقامت ميليشيات بقتل عدد منهم ولصق السيكوتين بمقاعد آخرين!، بإيعاز من رجال دين عدّوا هذا السلوك تحديا لقيم دينية وأخلاق اجتماعية يجب التصدي لها بالقتل والتشهير ليكونوا عبرة للآخرين!.وما لا يعرفه العادّون أنفسهم قيّمين على الدين والأخلاق،أن هذه الحالات موجودة ليس فقط في المجتمعات الغربية بل والإسلامية أيضا ،ولا علاقة لها بالأخلاق والدين والقيم ،لأنها حالة مرضية تصنف علميا تحت مصطلح(اضطراب الهوية الجنسية)ويعني تحديدا أن الفرد " المثلي"يشعر بأنه ولد في الجسم الخطأ.فالذكر يشعر نفسيا بأنه أنثى مولود في جسم ذكر فيحصل لديه اضطراب بين هويته النفسية ومشاعره الأنثوية وهويته البيولوجية وما مطلوب منه اجتماعيا كرجل. ولقد نبهنا، في حينه، أجهزة الدولة ان هؤلاء المثليين جاءوا بتركيبة نفسية وبيولوجية خاطئة ولديهم خلل تكويني يؤثر في نمو الدماغ البشري ويستمر في مراحل الحياة اللاحقة،ولا علاقة له بالتفسخ الأخلاقي والتحلل الاجتماعي ،وان التعامل معهم ليس بقتلهم أو بلصق السيكوتين بمقاعدهم،إنما بإحالتهم إلى الأطباء والاستشاريين النفسيين الذين يعرفون كيف يتعاملون معهم. والآن تأتي ظاهرة (الإيمو) ويجري التعامل معهم بنفس الأساليب المتخلفة.فلقد وصف أحد رجال الدين المؤثرين في العملية السياسية أن هذه الظاهرة (آفة)بالمجتمع الإسلامي وطالب الأجهزة المختصة بإنهائها قانونيا!.فيما ذكرت وكالة رويترز مساء 11/3/2012 انه تم قتل (14) شابا من الإيمو خلال شهر شباط 2012، وبثت قناة الشرقية لقاءات مع أشخاص أكدوا مقتل عدد من شباب الإيمو،فيما وصفت الحكومة هذه الأنباء بأنها (أكذوبة). ومهما يكن من أمر فإن شباب الإيمو صاروا هدفا لنفس المليشيات التي استهدفت (المثليين) وصاروا ملاحقين من أجهزة بغطاء أمني،وصدرت بحقهم فتاوى بإهدار دمهم من بعض رجال الدين،وتشكلت تجمعات للدفاع عنهم ،وصار الأمر وكأنه قضية وطنية أو خطر سيطيح بالدين والأخلاق!.فلنتوقف عند (الإيمو)ونتعرف على بداياتها التي كانت في أمريكا ولم تطح لا بدينها ولا بأخلاقها.في تسعينات القرن الماضي ظهر في الولايات المتحدة مراهقون وشباب ابتكروا تصرفات ورموزا وملابس وإكسسوارات خاصة بهم،أطلقوا على أنفسهم اسم ( الإيمو) من الكلمة الانكليزية (Emotive) التي تعني الشخصية العاطفية الحساسة.وكانت قد بدأت أصلا من فرق موسيقية تؤدي أغاني عاطفية جذبت المراهقين والشباب الذين يشعرون بالضياع النفسي..وهذا هو السبب السيكولوجي الرئيس الذي يجمع هؤلاء في مجتمع قائم على التنافس والفردية والأنانية وضعف الروابط الأسرية والمعايير الأخلاقية والقيم الدينية والاجتماعية.غير أنهم يختلفون في طريقة تعبيرهم عن هذا الضياع.فبينهم من يميل إلى المرح والفكاهة كوسيلة للهروب من الواقع.وبينهم،وهم الأكثرية، من يميل إلى الحزن والانطواء.ولأن أغلبهم لا يمارسون عملا منتجا ويعيشون بلا هدف حياتي يسعون إلى تحقيقه فان الشعور بالضياع يتمكن من بعضهم فيصيبهم بالاكتئاب الذي يفضي إلى التفكير بالانتحار أو ارتكابه كانت مدمنة على سماع الموسيقى والأغاني العاطفية الحزينة.فعلا كما حدث لفتاة تدعى (هنا بوند)تنتسب لفرقة (إيمو)موسيقية .ومع أن جماعة الإيمو ،لاسيما أعضاء الفرق الموسيقية ،لهم شكل مميز من حيث قصة الشعر والملابس الداكنة الضيقة ،فإنهم يختلفون أيضا في التعبير عن ضياعهم النفسي بالرموز أو الشعارات التي يكتبونها أو يصورون
بعد المثليين.. ظاهرة الإيمو من منظور سيكولوجي
نشر في: 13 مارس, 2012: 07:57 م