أحمد عبد الحسينأتتْ لنا أخبار من كلية العلوم السياسيّة في جامعة بغداد تنبئنا أن عصر تحطيم التماثيل لأسباب دينية قد بدأ في عراقنا المؤمن، فقبل أيام تمّ تحطيم منحوتة في حديقة هذه الكليّة من قبل غيورين على الدين الحنيف أسوة بما فعلته طالبان أفغانستان حين أمر "أمير المؤمنين" ملا عمر بتحطيم تماثيل "باميان" التي هي من روائع التراث الإنسانيّ،
وتأسياً بما يقوم به بعض مجانين مصر الذين يكتفون هذه الأيام بتغطية التماثيل بقماش أبيض، بانتظار أن تقوى شكيمتهم ويستقيم لهم الأمر كاملاً ليتناولوا فؤوسهم ويحطموا أصنام ميادين القاهرة.حكاية تمثال كلية العلوم السياسية ملخصها ترويه طالبة هي ابنة زميل وصديق لنا، تقول إن الكلية أنشأتْ حديقة جميلة ووضعتْ فيها بعض التماثيل الجبسية المشغولة وفقاً للطرز الإغريقية، تمثل شخصيات نسائية، لكنّ النساء في التماثيل ـ والكلام للطالبة ـ محتشمات كما لو أنهنّ عراقيات لا إغريقيات! مع ذلك فإن النساء أقلقن حياء المعاون الإداريّ، رغم أنهنّ نساء من جبس، فعارض وضع التماثيل بحجة أنها معيبة وفاضحة وعبر عن امتعاضه أمام آخرين. وفي يوم ما أعطى هذا المعاون الإداريّ لأحد العمال فأساً وطلب منه أن ينال شرف تحطيم هذا الصنم الجاهليّ، هكذا تقول الطالبة التي أضافتْ أن أساتذة آخرين أقنعوه بأنه مقدم على فعلٍ شائن، والأمر لا يستحقّ، والتماثيل لا تخدش حياء ولا تستدعي التعامل معها بالفؤوس، وأن الناس الذين يثيرهم تمثال امرأة جبسي ويجعلهم هائجين قد انقرضوا تماماً، ويبدو انه رضخ حينها أمام توسلهم به وعدل عن قرار تحطيمها.لكنْ فجأةً أتى الطلبةُ ذاتَ يوم إلى الكليّة ووجدوا التمثالَ ملقى على الأرض قطعاً متناثرة، واليومَ صباحاً وجدتُ في بريدي صوراً أرسلتْها لي الطالبةُ للتمثال المحطم.غريبٌ أمرنا، نستورد من الدول المتخلفة أسوأ ما أنتجتْ، وبعض منا لا يجد مثاله الأعلى إلا في هذه النفوس المنحطة التي تقف ضد الحياة والفنّ والثقافة. العقلية التي يباشرها العقائديّ مسك الفأس وتحطيم رأس تمثال لا حول له ولا قوّة، هي ذات العقلية التي تدعو عقائدياً آخر لمسك البلوكة وتحطيم رأس طفلٍ يلبس ما لا يلبسه هذا العقائديّ.القتل واحد، لكنّ عزاءنا أن القوى الارتكاسيّة تكون أشرس كلما اقتربتْ من نهايتها، في الجزائر مثلاً لم يتخلص الجزائريون من القوى المظلمة إلا بعد ان استذأبتْ هذه القوى وأخذت تدور على المثقفين والفنانين بفؤوسها وسواطيرها، في أفغانستان كان مشهد إعدام التلفزيونات وتحطيم الكنوز التأريخية إيذاناً بأفول نجم طالبان. نأمل أن قوى الارتكاس تعلن اليوم عن فشلها، تدرك أن المستقبل لم يعد ملكاً لها وها هي تنتقم من الحاضر من خلال تتفيه الحياة ومحاربة مكامن الجمال فيه.محطمو الأصنام يعرفون أن كائنات لها مظهر بشريّ تمتصّ دماء الناس وتحتكر القوة والسلطة والمال هم الذين يصدق عليهم لفظ الأصنام، أصنام يجب أن تتحطم، لأنها أخطر وأقسى من اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى!
قرطاس: محطّمو الأصنام
نشر في: 13 مارس, 2012: 07:59 م