TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: حيي ابتسم واعبر!

أحاديث شفوية: حيي ابتسم واعبر!

نشر في: 13 مارس, 2012: 10:27 م

 احمد المهنا كانت المقاهي أكثر الأشياء انتشارا في بغداد. بين كل مقهى ومقهى مقهى. أما اليوم فالقول هو بين كل سيطرة وسيطرة سيطرة. الجيش ينشر سيطراته في مدخل الجسر ومخرجه. أمام الحي وخلفه. في الشوارع حدث ولا حرج.
تقف السيارات في طابور يطول أو يقصر. أهلا بك في عالم السيطرات. انت في بغداد. وسواء جاء الإنتظار امام السيطرة طويلا أو قصيرا، فان السائق ما أن يصلها حتى يلقي التحية "آليا" على عساكر السيطرة. وقد تكون التحية مشفوعة بنظرة مودة وبسمة وداعة.إنك بعد الإنتظار، مهدد عند الوصول الى السيطرة بإشارة من العسكري للذهاب الى ركن قريب للتفتيش. تعطيل آخر. وإرهاق آخر. وشغل العسكر جميعه يعتمد على الفراسة والحدس والظن وبالجملة الإجتهاد، لأن أجهزة كشف المتفجرات التي يحملونها قصة كذبة معلنة، دارت بأخبارها الركبان، من لندن حيث شركتها المنتجة" النصابة"، الى واشنطن التي أعلنت فقدانها الصلاحية، وصولا الى بغداد المغلوبة على أمرها.والعسكري والمواطن يعرفان. الجندي مأمور. انه متيقن من عدم صلاحية الجهاز بين يديه لكنه يستخدمه. وهو واقف هناك في الحر أو البرد، في صفو الجو أو كدره، في النهار الطويل، او الليل الأطول لفراغ بعض ساعاته من " العمل" بسبب حظر التجوال. وغالبا ما لا يكلف نفسه أوقات " الإنتاج" بعمل شيء. ولكنه قد يتشدد في حالات الإنذار او الوقوع تحت امرة ضابط متسلط أو تحت السلطة الذاتية للنفس الأمارة بالسوء. وماذا سيعمل في مثل هذه الإحوال؟يبطىء سير الطابور ويزيد في تفتيش السيارات. على أنه في كل الأطوار المزاجية يرد السلام على أصحاب السيارات. نادرا ما لا يفعل ذلك. والبعض النادر لا يرد التحية للتمتع بسلطة على جمهور يصل اليه ومعنوياته ممرودة.وهذا الممرود ما أن يصل السيطرة حتى يحيي، يبتسم، طلبا للنفاذ بجلده من محنة الإنتظار، ومن احتمال التفتيش، وللخلاص من لحظات ثقيلة يوضع خلالها موضع الشبهة. والشبهة من دون سبب مظلمة. والتكيف، الواعي واللاواعي، مع المظلمة خذلان وهوان وفقدان أمان. إن تحية المواطن المشفوعة بنظرة مودة وبسمة وداعة للعسكر تبدو عملية آلية عادية. ولكنها آلية استثنائية ومركبة، تحتشد خلالها في الوعي وما تحت الوعي، مشاعر ومواقف مختلطة من المذلة والإعياء والدفاع عن النفس والخوف، ثم أخذ النفس بعد التحرر من كابوس السيطرة. انها تجربة مكتنزة شبيهة بحياة كاملة تدور بين الرهبة والرغبة منذ الولادة الى الموت. ولكنها حياة مضغوطة بوقت قصير تخرج منه مطبوخة بالمذلة لوقت طويل.أهلا بكم في العراق. ماتت جمهورية الخوف. عاشت جمهورية السيطرات.من أراد اختبار الحياة البدائية في صورتها الأولى المتأرجحة بين الرغبة والرهبة عليه بشوارع بغداد. في المشوار الواحد يدخل مجموعة إختبارات، حسب طول المسافة بين الإنطلاق والهدف. وستكون له عدة حيوات، كل واحدة منها تبدأ بالشبهة وتنتهي بالبراءة. كل من في الطابور مشبوه. والكل بريء. فإن القبض على مذنب أو ارهابي في سيطرة لم يحدث قط، ولن يحدث أبدا. فمن ذا الذي يرمي بنفسه الى التهلكة؟ أي جماعة ارهابية أو عصابة تعبر سيطرة وهي محملة بممنوعات؟حيي، ابتسم، واعبر!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram