طالب عبد العزيز بين الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن مقاتل شباب (الإيمو) التي تجاوزت الـ 100 في بغداد وبين تصريحات المسؤولين العراقيين الخاصة بالحريات والثقافة والمجتمع المدني ودولة المؤسسات وأهميتها في تفعيل المجتمع والتساوق مع الحياة المدنية فجوة كبيرة،لن تردمها أعمدة الصحف ولا فتاوى المرشدين،لأن مسافة الوعي بين جيل يتطلع لحياة جديدة تتناسب مع عمره وفسلجة جسده وتصوراته للعالم الذي يمور تحولا وتغييرا، وبين جيل يقيس المحلل والمحرم بملعقة وعيه،إذا لم نقل بأنه يجد في كل ظاهرة خارج تفكيره تهديدا ومحوا لمكتسباته التي لا يريد التفريط بها وإن كانت بحساب الدم .
ولأن القتل ظاهرة عراقية حياتية بحق،لأننا لا نملك وسيلة للتخلص من الخصوم خارج القتل ،ولأن ملوك الطوائف أحكموا قبضتهم على أعناقنا دونما وازع من دين ومن ضمير فقد أفتى من أفتى بقتل هؤلاء الشبان،لكن المشكلة أنْ لا تأكيد لفتوى دينية بعينها بقتلهم،مثلما لا تأكيد لجهة أمنية في وزارة الداخلية أو غيرها من المؤسسات،بقضية قتلهم لهذا وذاك يصلح السؤال الأوضح هنا : ترى هل تبنّى المجتمع قتلهم،هكذا كما يبدو،أو من يعلم،ربما أصبحت الفتاوى يقول بها المجتمع،لا رجل الدين ولا السياسي،وهل نعاني من مجتمع منضبط أخلاقيا إلى الحد هذا بحيث يكون القتل بالمسدس والبندقية والحجارة الكبيرة عرفا لديه؟! في حديث لطبيب نفساني مفلسِفا ومعالِجا ظاهرة المثليين(الطنطات) الذين شاع قتلهم في بغداد قبل نحو من 4 سنوات على أيدي المتشددين من المنتمين للأحزاب الدينية داخل الأجهزة الأمنية قال: أعلمْنا السلطاتِ بأن هؤلاء إنما يعانون انحرافات جسدية،وميولاً أنثوية،وهم خلقوا هكذا،وسلوكم هذا نابع من صميم بنائهم والمتغير الهرموني،فاتركوا أمر معالجتهم لنا،نحن الأطباء..لا تقتلوهم، لكن لا أحد يسمع في عراق كل ما فيه متجه للقتل.فحدث الذي حدث ،حيث مورست ضدهم أشنع طرق القتل،وأقذر سلوك إنساني،وسط تهليل اجتماعي نسمعه في الباص والمدرسة والعمل والمقهى،نحن أمة لا تفهم الحرية إلا حمراء، ،غاضبة ومنتصرة أبدا لوجودها النبيل،نحن سلالة نقية لكنها وجدت خارج الزمن،فيما العالم يتجدد في فهمه للحرية كل يوم. قد لا تخرج ظاهرة الإيمو ومن قبلها حركة الشباب الساعية للتغيير عن كونها متجهات مباحة نحو الحرية ،داخل مدن فتّتها السياسة،أنهكتها القوانين التي لم يستفد منها سوى النخب الحاكمة،وسط مجتمع يتفنن في القمع،لكن المؤسسات التقليدية داخل الدولة العراقية تعيش أزمة حقيقية سببها وجود المُهدد هذا،الذي غالبا ما يكون غير معلوم،فهي تجد في الموسيقى والرقص والثياب والسينما والمسرح ووجود المرأة في الشارع وفي عشرات الاستثناءات التي يجد الجيل الجديد حياته خلالها المُهدد المرعب لوجودها، ولدينا من ممارسات المسؤولين في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية أكثر من دليل على ذلك. ترى كيف نفهم الآلية التي فكرت بها وزيرة المرأة بفرضها نوعا من الثياب على الموظفين والموظفات في مؤسسات الدولة ،وكيف نفهم منع بث الأغاني في محطة راديو محلي ممول من مشروع البترو دولار،بمعنى أنه من أموال أبناء المدينة،وكيف نقرأ غياب المرأة من شوارعنا وأسواقنا إلا عند عيادات الأطباء،كيف نفهم الذكورة بوصفها الوحيدة في حركة الشارع اليومية،ومن يقف وراء إقصاء المرأة؟وراء رعبها وخوفها وهزيمتها داخلنا ؟ من يراقب الانهيارات المريعة في مؤسساتنا كافة ومن خلال الفساد المالي والإداري والاجتماعي... ،ومن خلال استغلال المتنفذين فيها لا يستغرب وجود الظواهر هذه (المثليين والمتشبهين بالنساء والمنجذبين لتقليد حركات مطربي الروك في الإكسسوارات ومن ثم حركات مثل الإيمو وغيرها يدرك أن رفضا يعتمل داخل المجتمع لكل ما هو تقليدي متشدد متخلف،ولا تقرأ الظواهر هذه بمعزل عن الحراك السياسي السيئ الذي يقودنا إليه زعماء العراق اليوم. قد لا تختلف صورة المثلي أو فتى الإيمو عن صورة القاتل المتشدد فكلاهما نتاج اجتماعي،أفرزه حراك ما،لأن الأول يجد حريته في الصورة التي هو عليها، فيما يجد الثاني كمال صورته إنما يكمن في دم الأول،ترى من المنحرف فينا؟ ومن يقول بأن فتيان الإيمو إنما قدموا من المريخ واهم كبير،هم أبناؤنا الذين لم نحسن تربيتهم في أبعد الأحوال، إن لم يكونوا ضحية تفكيرنا الأصولي. هناك من يفهم رقتنا هذه بأننا إنما ندافع عن وجود الظواهر المنحرفة بيننا،أو أننا من الناقمين على المؤسسات،وهذا خطأ كبير ووهم أكبر،نحن نحترم الدم ،أي دم ،لأننا لا نملك سلطانا على حياة الناس،أي ناس ،وما فتوى السيد علي السيستاني بحرمة قتلهم إلا دليل على صحة ما نعتقد ،لكننا نعتقد أيضا،ونبشر بظواهر قادمة أكبر من ظاهرة الإيمو،بمفهومها (السلبي)،كما روجت لذلك بعض الصحف ،نتحدث عن جيل (إيمو)عراقي أصيل ،حقيقي، جاد،منظم،قوي،غير سلبي،هو نقمة شعبية عارمة ستطيح بالمؤسسات الخربة التي عملت وتعمل،منذ سنوات على تعطيل الحياة.
قتلى الحجارة الكبيرة
نشر في: 14 مارس, 2012: 08:54 م