( 1 – 2 )كريم عبدالاقتصاد العراقي مُعطَّل، وحكومة المالكي الثانية مثل الأولى، كانت سياستها ولا تزال تهدف إلى إدامة هذا التعطيل. وهذه ليست تُهمة بالنسبة لحكومة السياسيين التجار، أي سلطة الأحزاب الدينية التي تسلمت البلد بعد نيسان (ابريل) 2003، ففي 2009 وخلال لقاء مع الجالية العراقية بلندن،
قال مسؤول حكومي عن خطط الحكومة لتطوير الصناعة والزراعة، قال: "العراقيون لا يحتاجون للصناعة والزراعة، يمكنهم العيش من عائدات النفط والسياحة"!! وهذا هو التعبير الصريح عن البرنامج السياسي للأحزاب الدينية، أي إفقار العراق وتبديد ثروته بتحويله إلى بلد استهلاكي لمصلحة السياسيين التجار. وخلال الشهور العشر القادمة سيتم تبديد مئة مليار دولار أخرى! هي موازنة 2012 التي أقرها البرلمان أخيراً. سيتم تبديد هذا الرقم الفلكي، الذي تحلم به دول وشعوب، مثلما تم تبديد أكثر من 500 مليار دولار منذ 2005 دون أن يرى العراقيون أي تطور حقيقي في حياتهم، فلا برامج عملية لحل أزمة السكن الخانقة، أو أزمة المدارس والأقسام الداخلية، أو رفع سبعة ملايين مواطن من تحت خط الفقر، ناهيك عن رؤية البنى التحتية التي لا يمكن للاقتصاد الوطني أن ينهض بدونها!! هذه هي طريقة الأحزاب الدينية الهادفة إلى نهب المال العام بشكل (قانوني)! فبالإضافة إلى العمولات والبنود السرية في عقود النفط والكهرباء التي أصبحت فضائحها على كل لسان، فقد تم تقاسم إجازات الاستيراد الكبرى والصغرى بين قادة هذه الأحزاب وبطانتهم، جاعلين العراق يعتمد على التجارة الخارجية فقط! فحكومة المالكي التي تدفع أكثر من خمسين مليار دولار رواتب للموظفين سنوياً، تعلم بأن هؤلاء الموظفين ينفقون رواتبهم على شراء البضائع الاستهلاكية، وهذه البضائع مستوردة من قبل طبقة السياسيين التجار، فتعود المليارات إلى جيوبهم. فهؤلاء هم من يصمم ستراتيجيات التخلف الحضاري عبر تعطيل الصناعة والزراعة، بل والمشاريع السياحية أيضاً. إن الدول والمؤسسات الاقتصادية الصناعية والزراعية والخدمية في مختلف بلدان العالم، بدءاً من سويسرا مروراً بالهند ودول الخليج العربي وليس انتهاءً بالصين، قد تطورت من خلال تبني النظرية المعاصرة لصناعة الثروة، والتي تعتمد على (المعرفة والمعلومات والكفاءات العلمية التي تستخدم المعرفة وتدير المعلومات) بما يضمن نجاح المشاريع الصناعية والزراعية، لكن في (العراق الجديد) يحدث العكس تماماً، ففي العراق عائدات نفطية هائلة، وفيه 130 ألف مهندس، ناهيك عن مئات العلماء المرموقين في مختلف الاختصاصات، أي أن العراق يملك ثروة مالية طائلة وكفاءات علمية متقدمة بوسعها النهوض بالبلد في مختلف المجالات، لكن ما يحدث عندنا هو عكس ما يحدث في سويسرا والصين والإمارات العربية، فبدل صناعة الثروة واستثمارها وتطويرها، يتم هدر الثروة وإبعاد الكفاءات العلمية والاعتماد على الجهلة وحملة الشهادات المزورة والضمائر المزورة!!فالعراق هو أول بلد ديمقراطي تستولي فيه قيادات الأحزاب النافذة على إجازات الاستيراد الكبرى والصغرى، فيتحول مسؤولو الدولة وبطانتهم تجاراً يستخدمون سلطتهم لتعطيل تطور الدولة والمجتمع، يعرقلون أية محاولة جادة وممكنة لعودة الكهرباء كي تبقى الصناعة والزراعة معطلة، فيكرّسون التجارة الخارجية التي يديرونها هم بأنفسهم حيث الأرباح بمليارات الدولارات سنوياً بينما الخدمات تتراجع من سيئ إلى أسوأ، فعندنا سبعة آلاف مدرسة نقص بينما نستورد معجون طماطم بمئة مليون دولار سنويا!!rnسوء استخدام السلطةrnإذا صادف إن هناك سياسياً يعمل في الوقت نفسه تاجراً أو رجل أعمال، فإن القوانين المعمول بها في جميع الدول الديمقراطية، تُحرم عليه استخدام سلطته أو علاقاته بمراكز القرار لضرب الصناعة والزراعة في بلده لمصلحة نشاطه التجاري، إن عملاً كهذا يُعتبر جريمة بحق الدولة والمجتمع، وهذا ما يسمى بسوء استخدام السلطة الذي يُحاسب عليه القانون. قبل أكثر من سنتين، وعبر ندوة في (فضائية الحرة) عن أسباب تعطيل الصناعة والزراعة، قال رئيس نقابة المهندسين العراقيين "إن وكيل الوزير في الوزارة المنوط بها تطوير صناعة السمنت هو الذي يملك إجازة استيراد السمنت من الخارج"! فأضاف الضيف الآخر "وفي وزارة الزراعة يحدث الشيء نفسه، فثمة موظفون كبار في الوزارة هم من يملك إجازات استيراد الفواكه والخضراوات" فكيف يمكن لهذا النمط من المسؤولين التجار أن يسمحوا بتطوير الصناعة والزراعة ؟ وخلال عملية تحويل العراق إلى بلد استهلاكي بالكامل، أصبحت المفارقات تتكرر يومياً دون أن تقدم حكومة المالكي أي تفسير يوحي بأنها تحترم عقول العراقيين وحقوقهم ومصالحهم، وكمثال: فبدل دعم وتطوير الصناعة والزراعة المحلية لكي يتمكن العراقيون من إنتاج مفردات البطاقة التموينية ذاتياً، وهو مشروع ضروري وممكن، تقوم حكومة المالكي بدفع مليارات الدولارات لوزارة التجارة سنوياً لاستيراد تلك المفردات من الخارج، ومقابل تلك المليارات فإن العراقيين لا يتسلمون إلا أقل من نصف مواد الحصة التموينية!! ورغم أن جميع الفضائيات العراقية قدّمت الكثير من البرامج المباشرة حول نقص وتعطيل مواد
حكومة السياسيين التجار..استخدام السلطة لتعطيل الصناعة والزراعة!
نشر في: 14 مارس, 2012: 08:55 م