TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > يمامة الفرح اليتيم

يمامة الفرح اليتيم

نشر في: 14 مارس, 2012: 10:38 م

 سعاد الجزائريفي يوم آذاري لا يختلف عن أيام بغداد الأخرى، لأن التراب يغطي عاصمة الرشيد، والازدحام يخنق شوارعها فيجعلها تعج بمزامير السيارات، وكلمات السباب واللعنات تتناثر هنا وهناك، بعضهم يسب البعض الآخر، والكثير منهم يسب الحكومة،وأمانة بغداد، لأنهم رفعوا شعارات ببغداد أجمل، وبرغم بعض التغييرات التي حصلت،  لكن بغداد تشبه العروس المتربة، التي جمعت بأذيالها نفايات كل الطرق التي مرت عليها.
داخل السيارة تسمع إذاعات اعتمدت برامج الاتصالات الهاتفية المباشرة باعتبارها الأسهل، ويمكن لأي مذيع او مذيعة، لا يهم ان كان يتقن هذه المهنة ام لا، ان يجلس خلف مايكروفون ويتحدث مع أي اتصال هاتفي يرده، فيوزع معلوماته الصحيحة والخاطئة،من دون رقابة على ما يقوله، مخالفا بذلك كل المعايير المهنية  لهذه المهنة ، لكن المهم ان هذا المذيع يستقبل سخط الناس وشتائمهم على الوضع في بلد يريد الجميع ان يفر منه ويتركه وحيدا، لأن هذا الفرد الساخط  لم يعد يحتمل حتى جلده.( بغداد يا قلعة الأسود يا كعبة المجد والخلود) تلك الرائعة التي غنتها أم كلثوم، هل نجد معناها في تلك المدينة هذه الأيام. لا يتوقع المرء حينما يخرج صباحا ويعود عصرا او مساء ان يعثر على فرح في أجواء الصراعات السياسية والعبوات التي تنتظر الناس باستثناء المسؤولين في كل زوايا هذه المدينة.لكني يوم 13 من هذا الشهر الآذاري عثرت على هذا الفرح في قاعة الرباط سابقا، والشهيد عثمان العبيدي،  الذي عرفناه جميعا شيعة وسنة، مسيحين ومسلمين، عربا وكردا، لانه حينما انقذ الغارقين من الناس في حادث جسر الأئمة، تصرف كعراقي شهم، وليس وفقا لطائفته. ازدحمت تلك القاعة بالبشر ولم يعد هناك حتى مكان للوقوف، شبابا وشابات، شيوخا ونساء، مسؤولين وحمايات، حتى الأطفال لم تخل منهم القاعة.فرح حقيقي أقامته دائرة الفنون الموسيقية بعنوان الأغنية الثمانينية الأصيلة، واعتقد أنهم تقصدوا بكلمة الأصيلة، لأنها صارت عملة (اكسباير) في زمن فقدت هذه الكلمة معناها، فأغاني اليوم ضمت مفردات مثل (بنت الـ.. بنت الـ...، اكسر خشمك العالي، او الدفان يغمزلي...)، لكن مهرجانات دائرة الفنون الموسيقية تعيد هذه الأصالة إلى السطح كلما جرفتنا أغاني اليوم الى هاوية أبعد من القعر.سبق لهذه الدائرة أن أقامت مهرجان: زرياب، الأغنية الستينية، والسبعينية، ومهرجانا خاصا بالمقام، وغيرها من الفعاليات التي تعيدنا الى بغداد الثقافة والفنون والحضارة التي تشربنا بمفرداتها فصرنا أهلا لحمل هوية تلك المدينة التي لا ننسب الا اليها.  الفرح الذي عم قاعة الرباط لا علاقة له بالمحيط الخارجي، الذي بدأ يضيق يوما بعد آخر، فداخل هذه القاعة، صفقت النساء وزغردت لباقة المطربين الذي علا صوتهم على صوت القهر والظلم خارج القاعة.فحميد منصور استحضر قصص حبنا القديم، وأمل خضير نادت حبيبها، وصلاح عبد الغفور غنى لهموم لم تبق له سواها، اما الكبير ياس خضر، فقد غنى ولو تزعل، لكننا جميعا سمعنا حنين (مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل)، كلهم (رضا الخياط، كريم حسين، احمد نعمة، قاسم اسماعيل، سعدي توفيق، وحيد علي...) صنعوا لنا بصوتهم هذا الفرح اليتيم...   وبين من غنوا شابة اسمها يمامة، كانت محجبة، بل تغطت بملابسها من رأسها حتى أخمص قدميها، لم تدع كما يحاول الآخرون قوله ان الغناء حرام، او ممنوع، او انه ضد الدين، بل على العكس انكشف صوتها الرخيم على فرح نبحث عنه كل يوم، تجاوز هذا الصوت جدران القاعة الى شوارع بغداد، ليحدث الناس عن فرح في تلك المدينة كانت هي يمامته وياس خضر بلبله...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram