TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: غلظة لا مثيل لها

أحاديث شفوية: غلظة لا مثيل لها

نشر في: 14 مارس, 2012: 11:32 م

 احمد المهناالخوف من المختلف، أو رفض الآخر، تعبيران لمعنى واحد، هو الموقف السلبي بدرجة أو أخرى من الغريب. والغريب قد يكون قومية أو طائفة أو فكرة سياسية أو ظاهرة مثل"الإيمو" التي كثر الحديث عنها هذه الأيام، بعد مقتل عشرات من شبابها بغلظة لا مثيل لها، وما تسبب به ذلك من ذعر.
و"الأقليات" في التاريخ أكثر تفهما للغريب، تعلما من مأساتهم، واتعاظا بتاريخهم، لأنهم أنفسهم غالبا ما وضعوا في موضع المختلف. ولذلك هناك الكثير الذي يمكن تعلمه منها في التسامح. ولكن بعضها قد يشذ ويسلك درب ظلم المظلوم وهو فظيع! واذكر انه لسنوات قريبة مضت، سألني صديق من بلد عربي، عن صحة فكرة تنتشر في بلدهم، وهي ان الشيعي عندما يستضاف في بيت سني، فإنه يحاول وضع شيء من قذارة في الطعام! الرجل سألني من كل عقله. وعقله، لا شك، صغير، ولكنه لم يكن من النوع المتعصب. كان شخصا عاديا. وكل ما في الأمر أنه تربى في بيئة غذته بمثل هذه الخرافة عن طائفة تمثل أقلية في مجتمعه، ومختلفة في بعض معتقداتها عن الساري والمعتاد بين قومه.والسؤال، على سوئه، جيد. ذلك انه يعني وجود نوع من الشك لديه في صحة المعلومة. واطمئنانه الى انفتاحي شجعه على طرح السؤال. ولو لم أكن كذلك فلربما احتفظ الرجل بمكان في نفسه لتلك الفكرة، ولكن الله دفع، وانزاحت عن كاهله بعد السؤال سخافة لها عمر واصول وفصول.وموقف صاحبي شبيه نوعا ما بموقف بعض ميليشيات الشيعة، وبعض دوائر الحكومة، من "الإيمو". فوراء كلاهما نظرة ريبة وخوف من المختلف. ولكن الأخيرة أشد غلظة من فكرة صاحبي. فما كان لدى الرجل مجرد فكرة طائحة حظ، لم تؤد الى نبذ ومطاردة وقتل، كما حدث ويحدث للإيمو، نتيجة فكرة خاطئة عنهم وهي أنهم عبدة شيطان! ويمكن للمرء ان يفهم مواقف وأعمال الميليشيات او الجماعات المسلحة، ذلك أنها خارجة على القانون اصلا. وانت لا تتوقع من الخارجين على القانون أعمالا قانونية أو خيرة. ولكن ماذا دهى وزارة الداخلية، وهي الركن الأساس في أجهزة العدالة الجنائية، لتعلن، وفي موقعها الألكتروني الرسمي، عن " شن حملة للقضاء على ظاهرة الإيمو"؟ الميليشيات والحكومة معا على هؤلاء الشبيبة المساكين؟ تلك تطحن رؤوسهم بالطابوق وهذه تهددهم براية "الحل النهائي"؟هذه حقا غلظة لا مثيل لها.إن "الإيمو" مجرد موضة أو صرعة شبابية، قد تراها ظريفة أو سخيفة. وبالتالي فان القانون لا صلة له بها، ولا عمل له معها. والشرطة وصية على القانون وليست وصية على الأخلاق. وحين ارتكبت شرطة صدام مثل هذه الوصاية الأخلاقية يوما قال علي الوردي:" نحن لسنا فئران تجارب حتى تدخلونا كل يوم في تجربة جديدة، فما معنى أن تستحدثوا مثلا "شرطة أخلاق"؟ بالله عليكم هل لدى الشرطة أخلاق أصلا؟".وكانت شرطة صدام بلا أخلاق لأن الحكم كله كان للقوة لا للقانون. فمتى نشتري حكمة من التجربة؟ متى نهضم الآخر ونستوعب المختلف؟ إن الخوف من المختلف هو الخوف من الحياة. فمتى نتوقف عن الخوف من الحياة؟ متى "نتعارف" كما أمر الكتاب العزيز، ومتى نقبل الحياة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram