علي حسينيعيش العراقيون هذه الأيام عصر غياب السياسة لتحل مكانها الانتهازية والعشوائية ، في هذا العصر السعيد صارت الحكومة تفاجئنا بمواقف كوميدية تجعل المرء يضحك مرة ويبكي على حاله مرات عدة . منذ تفجرت أزمة شباب الايمو والحكومة تحاول بكل طاقتها وعبر سلسلة من متحدثيها الأنيقين ،
أن تنشغل بتوصيف هؤلاء الشباب هل هم عبدة للشيطان ومصاصو دماء مثلما أتحفنا أحد خبراء علم الأجناس ؟ أم هم مجموعة متآمرين يسعون لتعطيل ساعات القمة العربية الثلاث والتي ستكلف العراقيين مئة مليار دينار وترغمهم على المكوث إجباريا في بيوتهم خوفا من أن ينقلوا عدوى أنفلونزا القهر والعذاب الى الحكام العرب ؟ ام الامر مؤامرة يهودية يقودها الموساد الإسرائيلي والذي بدأ يستهدف العراقيين ، كما اخبرنا احد النواب الأعزاء والذي اثلج قلوبنا بكشفه السر الغامض وراء مقتل هؤلاء الشباب حيث قال لا فض فوه : "ان حالات القتل حدثت بسبب نزاعات عشائرية". تعتقد الحكومة بسذاجة شديدة أن مجرد تغيير توصيف الجريمة سيحل المشكلة، وكأن كل هذه الضجة مجرد خلاف لغوي ، وليست جرائم ارتكبت بحق ابرياء ذنبهم الوحيد انهم صدقوا شعارات دولة القانون ، وبرنامج السيد المالكي الانتخابي، مشكلة الحكومة المزمنة أنها دائما تخبئ رأسها في الرمال عند ظهور أية مشكلة، ويسعى مقربوها الى تزويق الألفاظ واخفاء الحقائق، والذي أصبح منهجا يسير عليه الجميع بل ذهب البعض أكثر من ذلك بأن تطوع لتجميل المشاكل.. المهم هو الإخفاء وليس الحل..المهم أن تبقى الاجواء ساخنة لكي يتاح للجميع أن يصبحوا نجوما تلفزيونيين حتى أصبح لدينا مسؤولون يظهرون على الشاشة اكثر من ظهور اليسا وهيفاء وهبي، تحولوا الى أساتذة في فن التمثيل ويملكون اكبر خزين إستراتيجي من الكذب والخداع، بينما الناس تختنق من وقف الحال وتعطيل الحياة وعدم الاستقرار، وإذا جمعنا تصريحات المسؤولين وأضفنا لها نكات السياسيين وابتسامات بعض المقربين سوف نكتشف أننا نعيش في أجمل واسعد بقعة على الأرض، وأن مشكلة الناس عندنا أنهم يعانون من الديمقراطية الزائدة حتى أصيبوا بالتخمة.كل المشاكل عندنا مختومة بختم سري ، وكأنها مشاكل أمن وطني مع أن جميعها يتعلق بحياة الناس واستقرارهم. لا احد يجيب على التساؤلات، ولا تسمح الحكومة بتداول المعلومات عن الأزمات المتلاحقة .قائمة المحظورات والممنوعات التي يجب أن لا يعرفها المواطن بلغت 99% والـ 1% المتبقية هي بيانات وابتسامات تشبه مسحوق تجميل مغشوش ورخيص يقبّح أكثر مما يجمّل..ولسوء الحظ إن القراءة المبدئية لما يجري تقول بكل وضوح وبلا مواربة إن عصا الداخلية وليس لغة القانون هي التي تسود الخطاب الحكومي ، حتى ولو سمعنا ملايين التصريحات عن الحرية والديمقراطية وسائر المصطلحات التي لا يمكن قياسها على أرض الواقع.سيتحدث الكثيرون عن حياد الأمن، وسيرفع كثيرون شعار " الداخلية في خدمة الشعب " ، لكن على أرض الواقع سنجد أن عصا الداخلية هي التي دائما يراها المواطن أمامه في عصر الانترنيت وتكنولوجيا المعلومات تستطيع إن تدخل على اي موقع وتحصل على الكثير من الأرقام أو البيانات والمعلومات التي تهم كبرى دول العالم.. ولكنني أتحدى أي صحفي أو مواطن عندنا استطاع أن يحصل على معلومة واحدة تشرح لنا لماذا تصر وزارة الداخلية على إنكار مسؤوليتها في التحريض على قتل شبان عراقيين ؟ حل المشاكل يبدأ من طرحها للنقاش ومواجهة الأخطار يبدأ بفتح حوار حولها.. ولا أمل في أي إصلاح إذا تمسكنا باستخدام مساحيق التجميل الرخيصة، فإنها في النهاية ستظهر العيوب أكثر مما تخفيها ، مثلما ظهر العيب واضحا في صفحة موقع وزارة الداخلية بعد أن حذف خبر الإيمو منه بطريقة اقل ما يقال عنها أنها غير مهنية .
العمود الثامن: مساحيق الداخلية الرخيصة!
نشر في: 14 مارس, 2012: 11:32 م