اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قـيـق..قـيـق..موزمـبيـق!

قـيـق..قـيـق..موزمـبيـق!

نشر في: 16 مارس, 2012: 08:08 م

جاسم العايفأذكر أنني وفي ما بعد منتصف السبعينيات، بقليل، شاهدتُ مئات البراعم ومعهم آلاف الطلاب ، من البصريين والبصريات، في الدراسة الابتدائية، ومثلهم طلبة في الدراسة المتوسطة ،وبينهم أخي الصغير، وهم يشكلون سياجاً من جهتين متقابلتين يمتد من ساحة سعد في البصرة إلى مطار البصرة الدولي، السابق،
والذي يقع قربه فندق شط العرب الدولي كذلك، بفخامته وعمارته البهية المعروفة ، وهو فندق شيده بعض المعماريين المهرة من التابعين والعاملين مع قوات "الاستعمار البريطاني" وكذلك مطار البصرة الدولي أيضاً، و الذي كان يربط البصرة بالعالم عبر رحلات جوية منظمة كل نصف ساعة أو أقل وهي تتوجه بمنتهى الدقة والأمان، وتخترق سماء البصرة ليلاً ونهاراً إلى كلِ مكان في العالم دُهشت جداً لهذا المنظر وللبراعم والأطفال والطلاب من الجنسين، وهم يرتدون الملابس الموزعة عليهم وهي ملابس منظمة (الطلائع البعثية) وكانت زرقاء، فاتحة اللون ومعها ملابس( منظمة شبيبة البعث) وهي خضراء اللون وكلها، الزرقاء والخضراء،مصنعة في معامل خياطة كورية شمالية، وعليها خارطة تمتد من" المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي" وموشاة بشعار "الأمة العربية المجيدة" و المعروف بـ" وحدة حرية اشتراكية". كان منظراً وبحق أدهشني جداً لأول وهلة ، لأنني لم أكن أملك حينها جهاز( تلفزيون) ومع انه بالأسود والأبيض ولكنه كان نادراً جداً لمستخدمٍ بسيط كالوضع الذي كنت عليه فمن أين ليَ العلم بذلك!؟ .في السيارة التي تقلني إلى عملي مع بعض الموظفين والموظفات، علمتُ أن هذه التظاهرة والاحتفالية والتي يحمل فيها الأولاد كلهم بمن فيهم البنات صوراً ملونة للأب القائد ولنائبه الأوحد، لم يصل وقتها (للضرورة)، ومعها أعلاماً للثورة العربية، و بعض الصور لثائر موزمبيقي، تسلم عبر حروب العصابات الضارية ، والتي كانت سمة عامة لأحاديث وأمنيات وأحلام جيلنا السبعيني ، كان ذلك الحاكم الموزمبيقي ، اسمه "سامورا ميتشل" وهو الثائر- تهشمت جثته بعد ذلك عند سقوط طائرته في غابات موزمبيق، ربما و كالعادة بين الثوار بعد تسلمهم السلطة ورغباتهم الجامحة في التحكم بسلطة القرار والنفوذ ، بمؤامرة سرية محكمة جداً من بعض رفاقه - كان ذلك القائد الموزمبيقي الشاب الأسمر والملتحي ، في زيارة للعراق ،وهي بالتأكيد زيارة (استجداء لمعونة ما) بالنظر للفقر المريع الذي عليه موزمبيق، فقررت القيادة العراقية البعثية أن يقوم  ، ضيفها ،بزيارة البصرة للاطلاع على ما سمي وقتها بـ"الخطة الخمسية الانفجارية" ومشاريعها البصرية بالذات. أُخرج الفتيان والأولاد والطلاب ومعهم البنات من روضاتهم ومدارسهم ،ورصفوا في ذلك الشارع باستقامة منذ الساعة السابعة صباحاً وهم يهتفون" قائد موزمبيق.. أهلاً بيك.. شعب البصرة البعثي .. يحيك" ظل الجميع يصرخ ويصرخ بلا هوادة بناءً على أوامر صارمة، حاسمة، من "الرفاق والأنصار المتقدمين والمؤيدين". لفحت الشمس البصرية بحدتها وقساوتها، الأولاد والبنات والفتيان والطلاب وبحت الأصوات وتحشرجت الحناجر الفتية ، وتجاوزت الساعة الحادية عشرة صباحاً ، ولم يصل الثائر الموزمبيقي ، وبدا الجوع والعطش والإنهاك على الجميع ، واصفرت الوجوه، عندها كما روى لي أخي، بعد ذلك، وكان هو احد طلاب الدراسة المتوسطة ومع المستقبلين قائلاً لي:" من ساحة سعد- التي اشتعل فيها بعد عقدين ونيف فتيل انتفاضة 2 آذار عام 1991  المغدورة- بدأت همهمات وتمردات عفوية صغيرة سرية أولاً، ثم سريعاً ما اتسعت وبصوت عالٍ جداً، أدهش وأثار الرعب والخوف والذل في نفوس الرفاق والأنصار، وخذل الصراخ المتواصل منم المستقبلين ، كل المشرفين على الاستقبال والاحتفاء الشعبي و الرسمي بالثائر الموزمبيقي، كان ذلك الصراخ قد امتد من ساحة سعد ،التي تبعد حوالي عشرة كيلومترات عن مطار البصرة وفندقها الدولي، كما يلي نصاً :" قـيـق.. قـيـق.. حاكم موزمـبيـق.. لا أهلاً بيك.. ولا احنه نحييك " وظل الصراخ بصوت عال يتواصل بحدة وبلا هوادة أو تراجع ، دون أن يعبأ احد البراعم والفتيان والطلاب والذين هدهم الجوع وفتك بهم العطش مع الوقوف الطويل والمتواصل تحت شمس البصرة الحارقة لساعات ، بزجر الرفاق إطلاقاً ، مما أربكهم و دعاهم لسحبهم سريعاً، كالقطعان نحو مدارسهم وروضاتهم وهرب جميعهم يفتك بعد معاناتهم الجوع والعطش والتعب والإنهاك ، نحو بيوتهم ، في بلد كان الاحتياطي الثابت المودع رسمياً لدى البنك الدولي باسمه (30 مليار دولار أمريكي) عدا ما موجود في خزائن البنك المركزي العراقي، المعلن منه، والسري والذي لا أحد  يعلم به نهائياً ، كان حينها الدينار العراقي الواحد يتجاوز في الغالب الثلاث دولارات و18  سنتاً، لم يجد مَنَ كان حاكماً للعراق ضرورة ما تقتضي منحَ وجبة فطور دائم مدرسي صباحي لبراعم وأطفال وطلاب بلده، والذين حولوا ذلك الاستقبال إلى مهزلة وكارثة عبر صراخهم المتواصل (قيق.. قيق.. الخ) دون أن يوجههم احد، أو يدعوهم له، إذ لم تكن هناك معارضة علنية لذلك النظام، بل كان الكل في سلة واحدة ، عملت وجاهدت مح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram