TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: العالم طائفيّ

قرطاس: العالم طائفيّ

نشر في: 16 مارس, 2012: 08:18 م

 أحمد عبد الحسينيجري في سوريا اليوم ما جرى ويجري على العراق بشكل يكاد يكون متطابقاً، الأحداث هناك تتخذ منحى طائفياً بعد أن كانت ثورة ضدّ نظام حكم متجبّر. لم يحدث هذا إلا لأن الطائفيين ـ من السنة والشيعة ـ عملوا مطوّلاً على تطييف هذه الثورة، وفجأة أصبح نظام الأسد شيعياً، ليس في رؤية وعرف مناوئيه "السنّة" فحسب،
 بل في تصريحات "الشيعة" أنفسهم من إيرانيين وعراقيين ولبنانيين، وبسبب مساندة هؤلاء الواضحة لهذا النظام المهترئ، والأنباء تتحدث عن مجاميع شيعية مسلحة تقاتل دفاعاً عن ابن الأسد. فجأة أيضاً صارت المعارضة السوريّة سنيّة، ومرة أخرى ليس في بروباغاندا الشيعة "المغرضة" وإنما في بيانات جماعات سنيّة كثيرة، كان آخرها بيان "جماعة راية الحق والجهاد العراقية" التي أعلنتْْ أمس في بيان لها "فتح باب التطوع لكل من أراد القتال في سوريا"، ودعت لـ"الثأر لدماء السنة السوريين" وإنهاء محاصرة مدنهم من قبل "الحرس الثوري وحزب الله وفيلق بدر وجيش المهدي".هي حرب طائفية إذن. كان الأمر معقداً لكن الطائفيين التبسيطيين دوماً عمدوا إلى جعله سهلاً فلجاوا إلى التركيبة الوحيدة التي يفهمونها ويستطيعون التعامل معها: الطائفية.هناك سنة ثائرون، ونظام حكم شيعيّ، كما كان في العراق السابق نظام حكم سنيّ وثائرون شيعة. أرأيتم كم الأمر بسيط، لقد جعلناه لكم سهلاً ميسوراً ليكون بإمكانك أيها الشعب الطائفيّ العظيم أن تختار موقعك بسهولة ويسر وأن تميّز خندقك من الخندق الآخر. فنحن نعمل على خدمتك، وجعل حياتك بسيطة.الطائفيون، أحزابهم وشيوخهم وقياداتهم وإعلامهم، غير قادرين على رؤية الحياة إلا من هذه النافذة ذات الزجاج القذر الذي لم ينظف منذ زمن بعيد، ويضطربون اشدّ الاضطراب ويحزنون وتثور ثائرتهم إذا حاول أحد ما أن ينظف زجاج النوافذ لتتضح الرؤية.ستقوم الدنيا إذا قلنا إن نظام الصبيان في سوريا لا علاقة له بالتشيّع بل ربما له مصالح مع إيران وبعض التجار من أحزابنا الشيعية، وإن معارضته ليست سنيّة بل فيها من العلويين الكثير ومن الماركسيين أكثر وأغلبهم علمانيون بل ان بعضهم ملحد.لكنّ هذه الحقائق لا تنفع الشيعة ولا السنة، فطائفيو السنة يريدون حرباً مقدسة "للثأر لكل قطرة دم سالت من أهل السنة والجماعة على يد هذه المجموعات المسلحة" كما جاء في بيان جماعة "راية الحق والجهاد". وطائفيو الشيعة يريدونها استكمالاً "لانتصارات تقرّب حلماً قديماً وتجعله ممكناً"، والاثنان معاً يشتركان في صنع الهاوية التي نتقرّب لها حثيثاً ونحن مبتسمون.في عيون هؤلاء يبدو العالمُ طائفياً، وعلينا أن نصدّق انه كذلك فإن لم نقتنعْ به من تلقاء أنفسنا فبقوّة السلاح إذا لزم الأمر. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram