بغداد / شوكت البياتي متخفياً عن الأنظار يجلس أحمد في غرفة صغيرة على سطح مبنى في أحد الأحياء الطرفية في العاصمة بغداد، تنتابه كوابيس بأن يهشّم رأسه بقطعة إسمنتية، كما حدث مع آخرين من "شباب الإيمو".وبملامح شاحبة وعيون بدا عليها الإرهاق يصف ذو الـ 16 سنة
عملية هروبه من منزله بعدما ورد اسمه في إحدى قوائم المهددين بالقتل من الجماعات المسلحة، بسبب انتمائه لتلك التقليعة الشبابية."دخل أخي الى غرفتي فجأة وطلب مني أن استبدل ملابسي السوداء فوراً، وأنزع الأساور والخواتم من يديّ، ومن ثم جلبني الى هذه الغرفة على ألا أغادرها مطلقاً"، يقول ذلك بينما كان يسند ظهره إلى الحائط، وإلى جانبه حقيبة صغيرة تضم بعض حاجياته. بالنسبة لهذا الشاب الذي ينحدر من عائلة شيعية في مدينة الشعلة، فإن "من الظلم أن يولد المرء في مكان يحرم فيه من حق التعبير". مضيفا: "من مثلي يبقى محتجزا في غرفة أو يكون عرضة للقتل".مجموعات "الايمو" التي ينتمي إليها أحمد، ظهرت في العراق بعد العام 2008. وهم شبان تتراوح اعمارهم بين 12 الى 18 سنة، تأثروا بتقليعات وأفكار سادت في أوروبا وأمريكا، يريدون تجريبها في محيطهم .ويقول أحمد إن "الايمو" غير منظّمين، بل هم تجمعات عادية من الأصدقاء أو رفاق المدرسة يلتقون على حب الموسيقى ومجموعة أمور أخرى، فأحمد على سبيل المثال لا يعرف منهم أكثر من ستة اشخاص. وفي شباط نشرت تقارير عن عمليات قتل وترهيب من مجاميع اسلامية متطرفة وصفت "الايمو" بـ "عبدة الشياطين" و "الشاذين جنسيا".وفي الشهر نفسه وزع مجهولون قائمتين ضمتا 80 اسما لشباب "الإيمو" في شوارع رئيسية في مدينة الصدر شرقي بغداد، توعدتهم بالقتل على يد "المجاهدين" إن لم "يتوبوا" خلال أربعة ايام .أحمد الذي ورد اسمه في إحدى الملصقات، أكثر ما يخشاه طريقة القتل الشائعة التي سمع عنها. فحسب قوله، يجري تمديد الشاب على الارض ووضع فمه على حافة رصيف المشاة ومن ثم يسحق رأسه بقطعة اسمنتية او بحجر كبير. الشاب الذي يحتفظ بوشم جمجمة على ساعده الأيسر وبأثر ثقبين في أذنيه كانا يحملان أقراطا، لا يعرف كيف حصلت المجموعات المسلحة على اسمه، ولماذا تصرف الوقت في ملاحقته . "أنا شخص غير معروف ، مسالم وأؤمن بالله، ولست من عبدة شياطين"، يقول. والإيمو هو مختصر للكلمة الإنجليزية Emotional. وظهر المصطلح للمرة الأولى في الثمانينات للدلالة على نمط موسيقي يجمع بين إيقاعات الروك السريعة والصاخبة مع ألحان وكلمات فيها مسحة من الحزن والمشاعر الجياشة. وفي العقد الأخير عاد للظهور كدلالة على نمط حياة شبابي يتسم بالانعزال والكآبة.أما في العراق ، فتغلب الظاهرة حديثة النشأة على الذكور الذين يرتدون الملابس السوداء الضيقة والإكسسوارات المميزة، كالأحزمة العريضة والعقود والأسوار الجلدية المزينة بالجماجم المعدنية والأقراط في الأنف والأذنين. ورغم الاستقرار الأمني النسبي في بغداد مقارنة مع الأعوام الماضية، لم تتوقف التهديدات عن الوصول لمجموعات الإيمو ومعهم مثليو الجنس ومغنو الراب والروك آندرول، يدعمها مناخ سياسي محافظ لا يرحب بظواهر "غريبة على المجتمع" .في الأسابيع الثلاثة الماضية قتل من "الايمو" والمثليين، بحسب تقرير لوكالة رويتر نقلا عن مصادر في وزارة الداخلية العراقية 14 شابا. وهي معلومات غير مؤكدة إلى اليوم، لكن الناشطون يقدرون العدد بما يتجاوز مئة قتيل منذ بداية شباط الماضي .الناشطة في حقوق الانسان ينار محمد تشير إلى وقوع حوادث قتل وتقول إن ما يجري في بغداد "جريمة منظمة" أبطالها ليسوا فقط الجماعات المتشددة، بل أيضا عناصر من قوات الشرطة. وأكدت محمد استماعها لشهادات "عن اعتقال قوات الشرطة لشباب من الايمو وتسلميهم للميليشيات الاسلامية". وتضيف "كارثة ان تكون الشرطة شريكة في القتل." من جهته، ينفي مدير الشرطة المجتمعية في بغداد في تصريح لـ"نقاش" ان تكون لدى الاجهزة الامنية اي مشكلة مع شباب "الايمو"، فهم حسب قوله "مسالمون ولا يشكلون اي خطر". كما ينفي وقوع أعمال قتل من الأساس "فهناك حادثة قتل واحدة لأحد الشباب تبين فيما بعد أن لا علاقة لها بظاهرة الايمو" .ويضيف العقيد مشتاق طالب الحميداوي "لا يحق لأي شرطي أو عنصر أمن اعتقال أي مواطن من دون أمر قضائي"، وإن "الشرطة المجتمعية ستتدخل فقط في حال وجود منافيات للقانون العراقي كحالات الشذوذ الجنسي او المخدرات أو التجاوز على المجتمع . " لكن الناشطة الحقوقية تقول إن ردود فعل قوات الشرطة والحكومة خلت من الحد الادنى من التعاطف مع هذه الفئة، وحرضت على قتلهم بشكل غير مباشر عندما توعد المحمداوي في تصريح سابق له بالـ "القضاء" على الظاهرة.وبالفعل، ورغم تراجعه عن لهجته السابقة، يصف العقيد المحمداوي شباب الايمو بالظاهرة "الغريبة"
تهشيم الرؤوس.. آخر تقليعات الموضة في بغداد!
نشر في: 16 مارس, 2012: 10:18 م